ماذا يحدث في المانيا؟
انتهت واقعة احتجاز رهائن في وسط مدينة دريسدن الالمانية وإلقاء القبض على الجاني، بعد مقتل امرأة في عملية الاحتجاز اليوم السبت.
وشنت الشرطة الألمانية عملية وسط دريسدن في عميلة “اشتباه باحتجاز رهائن” كما أعلنت الشرطة المحلية في بيان.
صحيفة “بيلد” اوضحت أن مسلحا بمسدس لجأ إلى مركز التسوق “ألتماركت-غالاري” التجاري، بعد أن فتح النار في مبنى محطة إذاعية بالمدينة الواقعة في ساكسونيا، مضيفة ” أن مطلق النار البالغ 40 عاما قتل امرأة قبل أن يلجأ إلى المركز التجاري، من دون تحديد مكان القتيلة.
في السياق نفسه قال البيان للشرطة إن “شرطة دريسدن تنفذ عملية وسط المدينة، والوضع يتعلق باشتباه في احتجاز رهائن” موضحة أن المركز التجاري وسوق عيد الميلاد القريبين “مغلقان”.
وكشفت الشرطة أنها كانت على تواصل مع محتجز الرهائن في مدينة دريسدن، كما أوضحت أنها عثرت على جثة امرأة في مبنى سكني بمنطقة بروهيلز التي تشهد الاحتجاز.
يشار أن الشرطة لم تشر إلى أي علاقة بين محاولة الانقلاب التي أعلن عنها مؤخرا في البلاد، وفي هذا السياق كان رئيس الاستخبارات الداخلية الألمانية توماس هالدينوانغ قال إن مجموعة من الشخصيات اليمينية المتطرفة وضباطا سابقين في الجيش خططوا لمحاولة “الانقلاب” التي أعلنت برلين الأربعاء إحباط مخطط لها.
وأفاد هالدينوانغ لشبكة “زد دي إف” التلفزيونية الحكومية أن مجموعة من اليمينيين المتطرفين وضباطا سابقين في الجيش “اشتروا أسلحة” لتنفيذ خطة الانقلاب، مشيرا إلى أن “المجموعة لديها شبكة كبيرة في جميع أنحاء البلاد، وكانت لديهم خطط محددة، وكانوا مستعدين لاستخدام العنف، حتى لو كان ذلك يعني قتل الناس”.
المسؤول الأمني لفت أن المجموعة “خضعت في الشهرين الماضيين لمراقبة أجهزة الأمن”، مؤكدا أن السلطات قررت إطلاق عملية لمكافحة الإرهاب بعد أن أصبح من الواضح أن المجموعة لديها “خطط ملموسة للإطاحة بالحكومة بوسائل عنيفة”.
وأعلنت السلطات الألمانية الأربعاء إلقاء القبض على 25 من الشخصيات اليمينية المتطرفة، وبينهم ضباط سابقون في الجيش و3 أجانب، بتهمة التخطيط لتنفيذ “انقلاب”.
مكتب المدعي العام الفدرالي من جهته بين -في بيان أن “السلطات المختصة أحبطت مخطط انقلاب عبر شن هجمات تسعى لإحداث فوضى في البلاد، والاستيلاء على السلطة”.
وأوضح البيان أنه شارك في المخطط 52 مشتبها فيهم، بينهم مجموعة تابعة لحركة “مواطني الرايخ” (يمينية متطرفة) وضباط سابقون، حسب البيان نفسه.
ولا تعترف حركة “مواطني الرايخ” بالنظام السياسي الألماني القائم، ولا بالدولة الألمانية في صورتها الحالية، وتعترف -في المقابل- بالإمبراطورية الألمانية.
الاستخبارات الداخلية الألمانية أكدت أنه تم توجيه ضربة قوية لتنظيم “مواطني الرايخ”. كما رجّح مسؤولان أمنيان استمرار الاعتقالات بعد مراجعة السلطات المزيد من الأدلة بشأن مخطط لإسقاط الحكومة أعلنت السلطات عن إحباطه أمس.
وقال رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية الألمانية توماس هادنفانغ لقناة “زد دي إف”: “كانت ضربة قوية لمجموعة مواطني الرايخ المسلحة والتي يبلغ عدد أتباعها 21 ألف شخص. ارتكبت هذه المجموعة أكثر من ألف جريمة العام الماضي، ونحن نراقبهم منذ ربيع هذا العام ونعرف مخططاتهم”، موضحا أن لدى حركة “مواطني الرايخ” المهارات المناسبة المكتسبة من الوحدات العسكرية الألمانية، وأن بعض معتقلي التنظيم جاؤوا من الجيش.
وأوضح هادنفانغ أن عناصر التنظيم مغرمون بالأسلحة ولديهم ترسانة أسلحة قانونية وغير قانونية، وأنه ما يزال هناك ما يكفي من الأسلحة في حوزتهم وخصوصا من مخازن الجيش، معتبرا أن المشهد يمكن أن يكون “عنيفا للغاية”.
من جهته قال جورج ماير كبير المسؤولين الأمنيين في ولاية “تورينغن” إنه يتوقع موجة ثانية من الاعتقالات مع مراجعة السلطات للأدلة.
واتهم ماير حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف بتأجيج نظريات المؤامرة، والتي حفزت “المتآمرين” في أنحاء البلاد على التخطيط لإسقاط الحكومة.
من جهة أخرى، أعلن الادعاء العام الألماني أن جميع الذين تم إلقاء القبض عليهم يقبعون حاليا في الحبس الاحتياطي. وأعلنت السلطات الألمانية أمس إلقاء القبض على 25 من الشخصيات اليمينية المتطرفة، وبينهم ضباط سابقون في الجيش، بتهمة التخطيط لتنفيذ “انقلاب”، ومن بينهم أيضا شخصان تم القبض عليهما في النمسا وإيطاليا.
ومن بين المعتقلين بيرجيت مالساك وينكمان النائبة السابقة في حزب “البديل”، وهي قاضية في برلين، وأيضا “هاينريش الثالث عشر”، وهو سليل أسرة نبيلة عمره 71 عاما وما زال يسمي نفسه أميرا، مع أن ألمانيا ألغت النظام الملكي منذ أكثر من قرن.
وكان حزب “البديل من أجل ألمانيا” قد سارع إلى التبرؤ من مخطط إسقاط الحكومة، وقال في بيان إنه يدين الجماعة اليمينية المتطرفة، معربا عن ثقته في قدرة السلطات على توضيح الموقف.
نمو التطرف
الصحف البريطانية في تعليقها على محاولة الانقالاب رأت أنها دليل على تفاقم التعصب، ووصفت صحيفة “تايمز” (The Times) المحاولة بأنها دليل على تفاقم الغلو والتعصب، وانقلاب على الدولة الألمانية، فيما رأت صحيفة “إندبندنت” (The Independent) أنها مؤامرة “حمقاء” قامت بها جماعة تؤمن بنظريات المؤامرة.
ووفق التايمز، فإن محاولة الانقلاب للإطاحة بالدولة الألمانية -التي قيل إن من دبرها خليط متنوع من أصحاب نظريات المؤامرة، والنازيين الجدد، والذين يدفعهم الحنين إلى الماضي الإمبريالي- محاولة “غريبة”.
الصحيفة في مقالها الافتتاحي الرئيسي ذكرت أن المتآمرين بدوا كأنهم يتمتعون بدعم واسع النطاق، “والأدهى من ذلك، أن من بينهم جنود ونائب سابق في البرلمان، بل وحتى قاضٍ”، وكانوا جميعهم “على استعداد لاستخدام السلاح والعنف للإطاحة بالحكومة المنتخبة في الجمهورية الاتحادية”.
وأوضحت صحيفة تايمز أن الأمر استغرق من أجهزة مكافحة التجسس سنوات من المراقبة، و150 عملية دهم شملت 11 ولاية ألمانية اعتقلت خلالها 25 من قادة المحاولة الانقلابية، بغية الوقوف على حجم المؤامرة التي اضطلعت بها “حركة مواطني الرايخ”. والرايخ تعني في اللغة الألمانية الإمبراطورية أو المملكة.
الصحيفة أضافت أنه إذا كان هناك ثمة احتمال في الإطاحة بواحدة من أكثر دول أوروبا استقرارا وديمقراطية وازدهارا، فإن ذلك يبدو أمرا مستبعدا تماما في نظر غير الألمان، لكن للألمان ذكريات مريرة من الماضي. فعلى الرغم من إخفاق محاولة الانقلاب في ميونخ عام 1923، فإن التاريخ يعرف ما الذي فعله قائدها الشاب أدولف هتلر. وكانت هناك أمثلة أخرى في أماكن أخرى لمحاولات اقتحام قلاع السلطة، مثلما حدث في إسبانيا ما بعد الفاشية في عام 1981، وفي العام الماضي في مبنى الكابيتول هيل بواشنطن.
وخلصت تايمز في افتتاحيتها إلى التحذير من أن هناك خوفا من أن مزيدا من التطرف يلوح في الأفق، الأمر الذي يستدعي من المخابرات الألمانية توخي اليقظة خاصة فيما يتعلق بأولئك الذين يمكنهم الوصول إلى الأسلحة، وختمت بالقول إن أيديولوجيات المؤامرة معدية بشكل خطير.
أما صحيفة الإندبندنت فترى أن المحاولة مؤامرة “طائشة” و”خيالية” قادها رجل مسن يدعي أنه أرستقراطي، وتشبه إلى حد كبير اقتحام مثيري الشغب لمبنى الكونغرس الأميركي (كابيتول هيل) في السادس من يناير/كانون الثاني 2021، بدافع من نظرية المؤامرة التي تزعم أن الانتخابات الرئاسية قد “سُرقت” من دونالد ترامب.
وأوضحت الصحيفة في تحليل إخباري أن المجموعة -التي تؤمن إيمانا راسخا بأن ألمانيا يحكمها حاليا أعضاء ما يسمى بالدولة العميقة، طبقا لبيان للسلطات- شكلت، كما يقال، حكومة ظل للانقلاب المخطط له والذي كان سينفذه فرع عسكري يضم أعضاء من الجيش والشرطة الألمانية.
الإندبندنت قالت إن أجهزة الأمن الدولية تشعر بالقلق، حيث أطلقت بعض السلطات -من بينها الوكالة الأوروبية لتطبيق القانون (اليوروبول)- تحذيرات بشأن التهديدات المحتملة النابعة من نظريات المؤامرة، والتي تم ربطها بتنامي “المشاعر المناهضة للحكومة”.