ما لانعرفه عن نصف إيران اللآخر
أيّ حال يعيشه الإيرانيون بعد أربعة عقود من صعود دولة الملالي؟
هو سؤال تجيب عنه الاحصائيات، بل الاحصائيات التي تصدر عن دولة الملالي أنفسهم، وهاهي مصادرهم الرسمية تفيد بأن 12 مليون إيراني يعيشون دون خطّ الفقر المطلق و25 إلى 30 مليون شخص يعيشون تحت خطّ الفقر، كما أن التقديرات تشير إلى أنّ ثلث الإيرانيين، و50 إلى 70 في المئة من العمّال، في خطر التراجع إلى ما دون خطّ الفقر.
هذه معلومات مصدرها مركز الإحصاء الإيراني الرسمي، ومما يشير اليه المركز أنّ 14 في المئة من الإيرانيين يقطنون في خيمٍ وثلثَ سكان المدن يعيشون في الأحياء الفقيرة، وظروف المعيشة التي يعيش فيها ما سمّاهم عالم الأنثروبولوجيا شهرام خسروى بـ”نصف إيران الآخر” أو فقراء الطبقة العاملة ملفتة للغاية: فقد تزايد عدد الإيرانيين المقيمين في الأحياء الفقيرة 17 ضعفاً، ولا يحظى 50 في المئة من القوى العاملة إلّا بعمل متقطّع، ويعاني حوالي 10 إلى 13 مليون إيراني “إقصاءً كاملاً من برامج التأمين المعنية بالصحة أو العمل أو البطالة”.
في هكذا حال، لا يمكن فصل تحدّيات إيران الاجتماعية الاقتصادية عن اقتصادها السياسي الذي يعطي الأفضلية للموالين للنظام والذي تشوبه سوء الإدارة والمحسوبية والمحاباة والفساد وغياب الإصلاحات الهيكلية الضرورية للغاية، وعلى الرغم من أنّ العقوبات الأمريكية المفروضة قد أدّت بلا شكّ إلى تداعيات سلبية، غالباً ما تتمّ المبالغة بأثرها الإجمالي في الوضع الاقتصادي الإيراني، ففي صيف العام 2018 مثلاً، أشار حسين رغفار، الخبير الاقتصادي في جامعة العلّامة الطباطبائي في طهران، إلى أنّ ما لا يزيد عن 15 في المئة من مشاكل إيران الاقتصادية يُمكن عزوها إلى العقوبات، فقد ساهمت “الليبرالية الجديدة غير الليبرالية” في سياسات اقتصادية إيرانية مختلفة منذ التسعينيات، وقد اتّسمت بالخصخصات الزبائنية وسوق العمل المُحرَّرة من الضوابط، على تشكيل طبقة من الأثرياء الجدد من جهة وطبقة اجتماعية هشّة من جهة أخرى.
ومن الأسباب الأساسية لفشل الجمهورية الإسلامية النقصُ في توليد فرص العمل، مع ازدياد معدّل البطالة حتّى في خلال الطفرات النفطية، وتبقى معدّلات البطالة عالية، ولا سيّما بين الشباب وخرّيجي الجامعات والنساء، وبحسب الأرقام الرسمية، ثُمُن الإيرانيين عاطلٌ عن العمل، وبحسب مركز الأبحاث التابع للبرلمان الإيراني، سيصل معدّل البطالة إلى 16 في المئة بحلول العام 2021 في السيناريوهات المتفائلة أو إلى 26 في المئة في حال كانت الظروف أقلّ تيسيراً، وبين الشباب، تُظهر التوقعات أنّ شابّاً من أصل أربعة عاطلٌ عن العمل (لكنّ بعض التقديرات تصل إلى 40 في المئة). وتضع هذه الأرقام معدّلَ البطالة في إيران بين المعدّلات الأعلى عالمياً.
وبقي مؤشر جيني لتفاوت المداخيل في إيران عالياً باستمرار وهو يتخطّى 0,40، في ما يشير إلى النقص في النموّ الاقتصادي الشامل، وفي دراسةٍ لمستويات التفاوت في فترتَي قبل الثورة وبعدها في إيران، وجد جواد صالح أصفهاني، وهو باحث اقتصادي وازن، كان قد كتب لمعهد بروكنغز تحت عنوان “بعد أربعة عقود هل وفت الثورة الايرانية بوعودها” (بروكنغز 11 يوليو 2011)، أنّ التفاوت في العام 2002 بلغ المستوى عينه في العام 1972، وأردف قائلاً:”تطرح النتائجُ المتعلقة بالتفاوت أسئلةً مهمة حول طبيعة الثورة الإسلامية، فهل أثّرت الثورة إلى حدّ كبير في هيكلية السلطة كما كان يجدر أن تفعل ثورةٌ اجتماعية بضخامتها؟ وهذا موضوع ذو صلة كبيرة في حالة إيران لأنّه بالإضافة إلى التغيرات في توزيع الإنتاجية يؤثّر توزيع الحصول على الريوع النفطية في التفاوت، وبما أنّ الحصول على هذه الريوع مرتبطٌ مباشرة بالسلطة السياسية، قد يعكس التفاوتُ توزّعَ القوى، بالتالي، يطرح الاستنتاج بأن التفاوت المُسجَّل في العام 2002 بلغ المستوى عينه في العام 1972.. إنها أسئلةً حول أهمّية الثورة الإسلامية كثورة اجتماعية وسياسية”.
في إجابة مختصرة يكتب “واليوم، يظهر التفاوت بين المداخيل بوضوح بين الناس، نظراً إلى الاستعراض الباذخ للثروة والمحسوبية الذي يتبجّح به أنجالُ التابعين للنظام، الذين يلقبون بالأولاد المدلّلين والذين يراهم الإيرانيون في شوارع طهران أو على هواتفهم الذكية عبر حسابات انستقرام مثل حساب “أولاد طهران الاثرياء”.
فشل السلطات الايرانية في توليد الوظائف، أدى فيما ادى إلى إحداث تناقض اجتماعي اقتصادي متفجّر سياسياً. فسوق الوظائف في إيران ببساطة لا يمكنها استيعاب خرّيجي الجامعات الذين يصل عددهم إلى مئات الآلاف. وتمخّض عن هذا التناقض “فقراء الطبقة الوسطى”، كما وصفهم عالم الاجتماع آصف بيات في كتابه “الحياة سياسة.. كيف يغيّر بسطاء الشرق الأوسط حياتهم” وهو يُعرّف هؤلاء على أنهم يتمتّعون بمؤهلات الطبقة الوسطى وتطلّعاتها لكنهم يعانون هشاشة اجتماعية واقتصادية. واعتُبرت هذه المجموعة القاعدةَ الاجتماعية لثورة العام 2017-2018 ومن المتوقع أن تستمرّ بالتعبير عن غضبها وإحباطها.
“بيات” في مقابلة صحفية في العام 2016 عبر عن وضع الشباب في إيران في ظلّ الجمهورية الإسلامية قائلاً:”لا يريد الشباب مستقبلاً آمناً فحسب، أي الحصول على وظائف معقولة وعلى مسكن والزواج وتأسيس عائلة في المستقبل، بل يريدون استعادة “شبابهم” أيضاً، أي تلك الرغبة في عيش حياة الشباب والسعي وراء اهتماماتهم وشخصيتهم الفردية، بعيداً عن مراقبة مَن يكبرهم سنّاً وعن السلطة الأخلاقية والسياسة، ويفاقم هذا البُعد من حياة الشباب الضغوط الاجتماعية القائمة في إيران”.