“مجزرة التضامن”.. حكاية أقتل ثم أقتل
يحكي “شفيق فياض”، وهو الجنرال الشهير في جيش حافظ الأسد، كيف اختبر الأسلحة السامة على الأرانب، ومن ثم نفذها في مجازر حماه مطلع الثمانينات، ويحكي أحد شهود مجازر مدينة حماه، كيف كانت سيدة تحتضن مخدة وتهرع هرًبا من القصف، ظنًا منها أن تحتضن طفلها الرضيع، فيما يؤكد اللبنانيون أن القوّات الخاصة لنظام الأسد كانوا يصفون المدنيين على الحائط ويطمرونهم بالرصاص دون السؤال حتى عن ولاءاتهم السياسية أو حتى طوائفهم ومذاهبهم.
القتل، كان منهجًا، ووسيلة تعظيم لنظام الأسد الأب، والقتل، لم يستثن من “تعظيم” وسلطة الابن، وبالنتيجة كان القتل واحدة من وسائل إنتاج النظام وقد استغرق في تطويرها خمسون سنة، لم تكن مجزرة “حي التضامن” سوى واحدة من تجلياتها، وإن كانت أشدّ هولاً لا لهولها وإنما لظهورها في شريط مصور، فيما آلاف الجرائم المماثلة مازالت طي الأسرار، لم تلتقطها عين الكاميرا ولم تظهر على “يوتيوب” كما تسنّى لمجزرة التضامن.
القتل، والقتل وحده كان وسيلة تثبيت نظام، لم يتسن له أن يثبت شرعيته بالإعمار، أو بالصحة أو بالتعليم أو التنمية والاقتصاد، فكل ما أنجزه:
ـ تخريب العمارة ونشر العشوائيات.
ـ تخريب التعليم وإفساده.
ـ تعميم المرض والإجهاز على القطاع الطبي.
وحين يأتي الكلام عن الاقتصاد فقد حوّل البلاد من تاج تصنيع النسيج والبروكار السوري، إلى انحطاط البذلة العسكرية المصنّعة من نسيج مستورد، يرتديه جنود لم ينتصروا في معركة سوى الانتصار على شعبهم، ليتحوّل الجيش من “حارس لوطن” إلى حرّاس سجون وتقنيي “الكرسي الألماني” و”بساط الريح”، وحين انكشف الستار عن واحدة من المجازر ونعني مجزرة ” التضامن” كشف العالم كل العالم عن تقززه من المشهد، والعالم الذي تقزز لم يحرك ساكنًا لانتشال السوريين من مأزق ليس ابن اليوم، بل هو مأزق الأمس واليوم وسيستمر السوريون في حصاده مادام هذا النظام يخيم على صدورهم.
عنف النظام، تحوّل من صراع نظام مع عموم الناس، إلى “شخصنة العنف”، بحيث تحوّل موالو النظام، إلى أشخاص يشتغلون بالكراهية، ويقيمون عقائدهم على الثُأر الشخصي من الناس عموم الناس، والمتتبع لوقائع شريط “التضامن” يدرك تمام الإدارك بأن القاتل يقتل محمّلاً بدوافع شخصية، هي الدوافع التي يحملها مناصرو النظام بمن فيهم من لايحمل سلاحًا وهو الذي لايقتل عجزًا عن القتل، لا إيمانًا بحق الإنسان في الحياة، أو ترفعًا عن “صفة مجرم”.
واليوم، ظهر الشريط “المرعب”، والشريط إياه، هو مجرد مشهد من الصورة الأوسع، فماذا كانت ردة فعل العالم على الشريط بما احتوى وما حمل؟
ـ لاشيء.. زوبعة وتنتهي.
وهذا ما يدركه النظام تمام الإدراك، ولأنه يدركه، ستبقى قاعدته التي لن يتزحزح عنها:
ـ أقتل .. أقتل.
ومن بعدها مجزرة جديدة لانعلم أين ستقع، وفي أي “تضامن” ستكون.