fbpx
أخر الأخبار

مرفأ بيروت بأي لغة سيحكي،  ألمانية أم فرنسية؟

دُمّر المرفأ، ومازالت القضية مقيدة “ضد مجهول”، وغالبًا ما سيبقى المجهول مجهولاً دون أن يتزحزح إلى قائم المعلوم.. ليس هذا المرفأ وحده، هو حال المال المهدور / المسروق، وكذا حال كل شيء في لبنان وقد بًني البلد من أساسه بصيغة “المبني للمجهول”.

اليوم التنافس على المعلوم.. على :

ـ من سيعيد إعمار المرفأ المدمّر، المرفأ الذي يستقبل 80 % من مجموع واردات لبنان، والمعلوم من المجاهيل أن الصراع على إعادة الإعمار مازال فرنسيًا ـ المانيًا.

الإعلان الألماني عن الرغبة الألمانية بإعادة إعماره، لم يؤد إلى تحفيز النخب السياسية اللبنانية التي يصفها ديفيد شينكر بـ “التعيسة” إلى التحرك، إلا أنه قد يثير غضب فرنسا، التي تطمح أيضاً إلى إعادة بناء المرفأ.

ربما اتضحت الرغبة الفرنسية تلك خلال زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون لبيروت بعد وقت قصير من حدوث الانفجار، فيومها أفادت بعض التقارير أنه أعرب عن رغبته في القيام بذلك. وكان رافقه في زيارته رودولف سعادة، رئيس مجلس إدارة شركة الشحن والخدمات اللوجستية الرائدة “مجموعة سي إم ايه – سي جي أم” CMA CGM Group)).  وفي أعقاب الزيارة كتب سعادة في تغريدة نشرها على موقع تويتر، “تستطيع فرنسا ولبنان الاعتماد على المجموعة للاستجابة لحالة الطوارئ والعمل على إعادة إعمار بيروت. إن التزامنا كامل”.

باريس مهتمّة بحشد الشركات الفرنسية لتأمين عقود إعادة إعمار المرفأ –  وهذا ير مشكوك فيه، ولكن، ولابد من التركيز على “لكن” هنا:

 ـ فقط إذا تولّت جهة أخرى دفع التكاليف.

الحكومة الفرنسية لم يتقد أيّ مؤشّر على نيّتها تمويل المشروع. وعلى الرغم من مشاركتها بشكل كبير في سياسات مستعمرتها السابقة، إلّا أن ما يثير الاستغراب هو عدم تقديم باريس سوى القليل من المساعدة المالية للبنان. على سبيل المثال، وفقاً لـ “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية”، قدمت فرنسا للبنان 45 مليون دولار فقط من تمويل التنمية الثنائية و 17 مليون دولار من المساعدات العسكرية في عام 2018. وفي المقابل، قدمت ألمانيا المزيد من المساعدات الثنائية في ذلك العام – 67 مليون دولار – على الرغم من عدم كونها جهة فاعلة تقليدية في لبنان.

وفق تحليل لديفيد شينكر، ويظهر أن الرجل منغمس بالتفاصيل، فإنه “يقيناً أن الدولتين تقدمان أيضاً مساهمات إضافية من خلال أموال مساعدات “الاتحاد الأوروبي”. وقد اقترحت ألمانيا تمويل المشروع – بتكلفة تتراوح بين 2.36 و 3.54 مليار دولار – من خلال “بنك الاستثمار الأوروبي”، مما يعني مشاركة دول “الاتحاد الأوروبي” الأخرى، بما فيها فرنسا”.

وبغض النظر عن الجهة التي ينتهي بها الأمر بتمويل المشروع، فإن الخبر السار هو أن باريس وبرلين أوضحتا أن المضي قدماً في الخطة و / أو دعم خطة إنقاذ أوسع نطاقاً من “صندوق النقد الدولي” بمليارات الدولارات سيتطلب من لبنان إجراء إصلاحات جادة والحد من الفساد المستشري. وهذه مهمة صعبة بالطبع: فلبنان يحتل المرتبة 149 من بين 180 دولة في “مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية”، ولم يتبنَّ قادته الإصلاح قط. وفي الواقع، إن معظم النخب – خاصة تلك التي تمثّل ميليشيا «حزب الله» المدعومة من إيران – تستفيد بشكل كبير من النظام الحالي.

بالتوازي مع هذه المتطلبات المرهقة على بيروت، (والكلام لديفيد شينكر وكان قد نشره في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى) وضعت جهات فاعلة أجنبية أخرى ربما تتمتع بنفوذ مالي أكبر من فرنسا وألمانيا شروطها الأساسية.

ـ من هي تلك الجهات التي يصفها بالفاعلة؟

في كانون الأول/ديسمبر، أوضح “البنك الدولي” ما هي الإصلاحات التي من الضروري أن تقوم بيروت بتنفيذها قبل إعادة بناء المرفأ، مثل إنشاء إطار مؤسسي جديد لقطاع الموانئ، وسن تشريعات جديدة ذات صلة، وإعادة تنظيم إدارة الجمارك، وضمان عملية مناقصة تنافسية، واستخدام مشغّلي محطات خاصة. كما للولايات المتحدة شرط لا غنى عنه أيضاً – وهو أن توافق بيروت مسبقاً على قيام مراقبة مستقلة للمرفأ الجديد من أجل ضمان ألا يصبح مرة أخرى أحد أصول “حزب الله” لتهريب المواد والأفراد العسكريين. قد لا تصر باريس وبرلين على هذه المراقبة المسبقة، ولكن قد يكون لواشنطن المزيد من التأثير بالنظر إلى مساهماتها السنوية الأكبر – على سبيل المثال، في عام 2018، قدمت لبيروت 118 مليون دولار كمساعدات إنمائية و 128 مليون دولار كمساعدات أمنية، بالإضافة إلى مساهمات كبيرة إلى “برنامج الغذاء العالمي” التابع للأمم المتحدة والمؤسسات الأخرى العاملة في لبنان.

وهناك جانب آخر محتمل وهو أنّ أيّ مشاركة فرنسية ألمانية في المشروع ستمنع على الأرجح الصين – الشريك المفضل لـ “حزب الله» – “من توسيع شبكة موانئها العالمية أو ما يُعرف بـ استراتيجية «خيط اللؤلؤ». ونظراً لاستهداف بكين للدول الضعيفة من أجل الإيقاع بها في فخّ ديون الاستثمار، لا شكّ في أنّها تنظر إلى لبنان المعرّض للخطر باعتباره خياراً جذّاباً.

في الوقت الحالي، تُعتبر المقترحات الفرنسية والألمانية عرضاً جانبياً للانهيار البطيء للبنان، لكن واقع مشاركة كلا الحكومتين في التزام واشنطن الواضح بربط المساعدة غير الإنسانية بالإصلاح يجب أن يُنظر إليه على أنه فرصة سياسية للولايات المتحدة. وفي النهاية، هناك مجال واسع للتعاون الأوروبي بشأن تمويل المرفأ وإعادة بنائه، دون المساس بمبدأ  الإصلاح قبل إعادة الإعمار. وفي المقابل، من شأن نفور بكين من الشفافية و[سياستها] المتضاربة تجاه “حزب الله” أن يجعلا دوراً صينياً في إعادة البناء النتيجة الأسوأ لأوروبا والولايات المتحدة ولبنان على حدٍ سواء.

 المرفأ وقد دُمّر، بات ودون شك ملعبًا تنافسيًا بين الأمم، والأهم من هذا وذاك أن كل هذا الخراب، لم يحفّز فاسدي لبنان، على إيقاف فسادهم، أقله ليعيدوا إعمار ماخسروه من كرامة بين سكان لبنان.. سكان يهتفون:

ـ كلن يعني كلن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى