معركة الأفكار في إيران.. وبعد
مرصد مينا
نعم هي معركة أفكار في إيران اليوم، أما المعركة فلا تقتصر على صبايا “مهسا اميني” وثورتهن في مواجهة الملالي، بل تخطت ذلك إلى معركة داخل المؤسسة الدينية نفسها، وهكذا فالنظر إلى المؤسسة الدينية الإيرانية من داخلها سيقود إلى حقيقة أن التقاليد الشيعية الاثني عشرية هي الحقيقة المحبة للجدل والسائدة في إيران ستقود إلى هذه المعركة، فلقد كان فقهاء الشيعة الاثنا عشرية لقرون من الزمن أكثرَ مرونةً من الناحية الفكرية – وأقلَّ تسييسًا – ما يعني أنهم يمارسون الاجتهاد، وهو الإفتاء المستقل القائم على القرآن، بدلًا من الشريعة المتزمتة. وحتى أنَّهم ظلوا منفتحين على الابتهاج بتكهنات الفلسفة الغربية.
هذا التيار الديني لابد سيكون بمواجهة مفهوم الدولة عند تيار الخميني الخاص بـ”ولاية الفقيه” وهو تيار يعني القطيعة مع التقاليد الشيعية وحتى أنَّه تعرَّض للانتقاد من قِبَل بعض رجال الدين الرفيعي المستوى باعتباره غير جائز.
لقد وعدت الثورة الشعب بضمان إرادته، بيد أنَّ هذا الوعد أفسح المجال بسرعة لمطالبة خمينية شمولية بالسلطة. ولم يعد يجلس في البرلمان الإيراني منذ الانتخابات المزوَّرة في عام 2009 سوى أغلبية من المحافظين المتشدِّدين فقط، وذلك لأنَّ مجلس صيانة الدستور يستبعد من القوائم المرشَّحين ذوي التوجُّهات الإصلاحية.
ومع وجود خامنئي كمرشد أعلى للثورة ووجود القاضي الدموي السابق ورئيس الدولة الحالي إبراهيم رئيسي، يتولى رجلان متعصِّبان من رجال الدين الشيعة أعلى منصبين في الدولة. غير أنَّ رجال الدين في الحقيقة ليسوا كتلة متجانسة حتى – أو بالذات – بعد ثلاثة وأربعين عامًا من الثورة. وعلى الرغم من وجود تقارير تفيد بأنَّ معارضي النظام ينزعون العمائم عن رؤوس الملالي الصغار وأنَّ سائقي سيَّارات الأجرة لا يتوقَّفون لإركابهم، ولكن بحسب المراقبين فإنَّ الكثير من رجال الدين يتفهَّمون الاحتجاجات أو أنَّهم على الأقل مستعدُّون للحوار. فقد انتقد مؤخرًا وبشكل علني بعض من كبار رجال الدين في الحوزة الدينية في قم وأصفهان الأعمالَ الوحشية من جانب الحرس الثوري – المهيمن على الاقتصاد أيضًا – وميليشيات الباسيج الموالية للنظام.
وحتى آيات الله، الذين يوجد منهم عدة آلاف، يجب عدم مساواتهم بالنظام. إذ إنَّ جزءًا صغيرًا منهم فقط في مناصب حكومية. كما أنَّ سلطتهم الروحية وأتباعهم، الذين يتلقُّون منهم تبرُّعات أيضًا، يجعلونهم مستقلين إلى حدّ كبير عن الدولة. ومنهم مثلًا آية الله محمد علي أيازي من الحوزة العلمية في قم، والذي يطالب بمزيد من الحقوق للأقليات والنساء ويشكِّك في الدولة الدينية (الثيوقراطية) ويُبرِّر ذلك بحجج من الإسلام.
الصراع ما بين هذا الاتجاه في الحوزة، وتيار الخميني ووارثه علي خامنئي مازال تحت الرماد، غير أن ما تحت الرماد اليوم قد يتحوّل إلى إضرام النار في المؤسسة الدينية الإيرانية ليتحوّل إلى صراع عنفي، دون نسيان حقيقة اشتغل عليها الخمينيون، تلك الحقيقة التي سمحت لهم باستنبات أجنحة عسكرية على طول الإقليم وعرضه، ونعني هنا حزبي الله في لبنان والعراق، كما الحوثي في اليمن، وقد باتت هذه الأجنحة تشتغل على تصدير الأزمات الداخلية الإيرانية إلى الخارج، ما بعد الاشتغال على تصدير الثورة.
صراع مازال مجهولاً حتى اليوم، وقد تحمل نتائج حرب غزة هذا المجهول إلى المعلوم، ليكون اشتباك أذرع الخمينية في الخارج، مقدمة لاشتعاله في الداخل، وبناء على هذا ثمة ما يجدر الالتفات إليه، ومن بين ما يستدعي الالتفات اليه، خطاب خالد مشعل الموجه إلى حزب الله اللبناني.
ماقاله خالد مشعل، والذي يحمل التشكيك بحزب الله في معركة غزة، هو اكثر من زلة لسان وإن كان أقل من موجة غضب.
وفي عالم الطرب ثمة أغنية مطلعها:
ـ الموجة تجري ورا الموجة عايزا تطلها.