أخر الأخبار

مما ينبغي قوله حين ينبغي أن يقال

نبيل الملحم

وقد انتصر الإسلاميون، يأتي السؤال:
ـ هل ننظر إلى انتصارهم بعين النعامة، أم بلغة الببغاوات؟

في قلب سؤالنا هذا يكمن جرحٌ سوري عميق، ليس فقط جرح الاستبداد الذي جثم على صدر البلاد لعقود، بل أيضًا جرح المعارضات الديمقراطية (والتسمية هنا مجازفة) التي لم تفلح – في كثير من مراحلها – أن تكون البديل أو الأفق أو الحلم.

وحين نتساءل: لماذا مال قطاع واسع من الجمهور إلى الإسلاميين، علينا أولًا أن ننزع النظارة الأيديولوجية التي تحجب عنا رؤية الواقع كما هو، لا كما نشتهيه.

ـ انتصروا؟
أي نعم، وعلينا أن نخلع من عقولنا لغة الإنكار، أما كيف؟ ولماذا؟ فهما السؤال، مواجهته تعني “شجاعة”، والهروب منه كما تستحم بالوحل لغسل الوحل عنك.. ولمواجهته كل ماعلينا أن نأخذ علماً بأنه :

لم تكن المشكلة في “لغة” المعارضات الديمقراطية والعلمانية فقط، بل في “البنية الذهنية” التي حملتها، وما حملته، رغم شجاعتها وتاريخ بعض رموزها النضالي، قد أسقطها في فخّ استنساخ أدوات خصمها:

ـ بالشعارات الطافحة بالمفردات الجوفاء: “تحقيق العدالة الاجتماعية”، “بناء دولة المواطنة”، دون أن تقدّم برامج ملموسة توضح آليات ذلك.
ـ في “عقدة الزعيم”، وفي المنازعات الصبيانية على “القيادة”، بدل أن تصوغ عقدًا جامعًا.
ـ في فساد ورثته من سلطة فاسدة، فأعادت إنتاجه حين سنحت لها الفرصة في الفساد.
ـ في خيبة تواصلها الحقيقي مع الطبقات الفقيرة أو الريفية، وفي خطابها النخبوي ، وهو يدور في صالونات برلين أو واشنطن وباريس، ولا يُترجم إلى فعل ميداني.

ـ في عجزها عن ابتكار أدوات كفاحية، في التنظيم والرسالة والتواصل.
ـ في عجزها عن انتاج رموز ملهمة قادرة على تحريك الناس، كما فعل الإسلاميون في قراهم ومساجدهم.
واستعادة للسؤال:

ـ هل هذا حال الإسلاميين؟

لدى الإسلاميين – خصوصًا التيارات الإخوانية والسلفية – كانت هناك “ثروة” تنظيمية وروحية لا يمكن إنكارها.

كان لهم:
ـ إرثاً طويلاً من العمل السرّي والتنظيمي، ما جعلهم مهيئين لقيادة العمل تحت سطوة القمع والتكيل.

ـ وكان لهم خطاباً بسيطاً، مفهوماً، ومرتبطاً بالمقدس، جعل منه مادة سهلة التداول لدى الجمهور.

وكان لهم شبكات إغاثية وتعليمية وصحية لعبت دورًا محوريًا في كسب الحاضنة الشعبية، خاصة في الفضاءات المهمّشة.

كما كان لهم قدرتهم على خلق انضباط داخلي، وعلى تقديم نموذج للقيادة (حتى وإن كان استبداديًا بدوره)، بدا اكثر التصاقاً بالناس من خطاب معارضات مبعثرة ومتشرذمة.

هل نلوم الجمهور؟

أن نُحمّل جمهورًا مسحوقًا ومُهانًا ومقموعًا لعقود مسؤولية خياره في لحظة ارتباك تاريخية، لهو ضربٌ من الإنكار.. الجمهور، بطبيعته، يبحث عمّن يفهمه، يطمئنه، يقوده، ويمنحه إجابة على أسئلته الوجودية. وعندما فشلت المعارضة العلمانية واليسارية في لعب هذا الدور، لم يكن غريبًا أن يتقدّم الإسلاميون، خصوصًا في لحظة الفوضى والانهيار.

ومن ثم ألا ينبغي أن نطرح السؤال بشكل مغاير:

ـ هل كانت الخيارات الأخرى واضحة أو مطروحة أصلاً أمام هذا الجمهور؟
ـ أم أننا نحاكمه بأثر رجعي على مسارات لم تكن مفتوحة أمامه؟

المطلوب ليس جلد الجمهور، بل الاستثمار في المرايا، عبر نقد صارم من القوى التي ادعت تمثيله، دون أن تمتلك ما يؤهلها للتمثيل.. نقد صارم لنفسها كما يفعل (دكنجي) بضاعته كاسدة هو بلا وجه بشوش.

أما عن الجمهور، فالجمهور السوري – ككل جمهور – لا يُلام لأنه اختار من قدّم له شيئًا، بل يُفهم، ومعه يبقى السؤال:

ـ ماذا يعني أن تكون معارضاً حقيقياً، لا ظلًا باهتًا لسلطة فاسدة سقطت وأسقطتك:
ـ أسقطتك يوم اتخذت دلالتك من الخصومة لامن تماسك المشروع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى