مناطق آمنة؟ أين ذاك الأمان؟
تقودنا “فورين بوليسي” إلى سؤال:
ـ هل تعني “المناطق الآمنة” التي يسوق لها الرئيس التركي أردوغان كابوسًا؟ إذا كان الأمر على هذا النحو فلِم ستكون كابوسًا؟
الانتخابات التركية العام المقبل باتت قريبة، ومصير 3.7 مليون لاجئ سوري في تركيا على المحك.
ـ بسبب الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد يلقي الأتراك باللوم على عاتق اللاجئين.. يحدث ذلك.
ـ يستفيد السياسيون من المشاعر المعادية المتزايدة ضد اللاجئين، ومثالها أن وعد كمال كيليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، بإعادة السوريين في غضون عامين في حال نجاحه في تولّى الرئاسة.
ـ الآن، يطالب أعضاء من المعارضة والحزب الحاكم بعودة اللاجئين على الرغم من بقاء نظام الأسد القمعي في السلطة وعدم وجود نهاية تلوح في الأفق للحرب السورية.
ـ الشهر الماضي، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عزمه على إعادة توطين مليون سوري في “مناطق آمنة”، بالقرب من الحدود التركية في شمال سوريا، وقال إن المشروع “سيغطّي جميع احتياجات الحياة اليومية، من السكن إلى المدارس والمستشفيات، فضلاً عن البنية التحتية الاقتصادية القائمة على الاكتفاء الذاتي، زراعياً وصناعياً”.
ولطالما اقترحت تركيا إنشاء “منطقة آمنة” على الجانب السوري من الحدود السورية التركية التي يبلغ طولها 559 ميلاً ليسكنها السوريون الفارون من الحرب.
حاليًا، هذه المنطقة متقطّعة الأوصال جغرافياً، ولكنها تضم عدة مناطق ساعدت أنقرة فصائل مسلحة سورية على الاستيلاء عليها منذ عام 2016. وتشمل المدن السورية تل أبيض ورأس العين/ سريكانيه وجرابلس وعفرين وكذلك إدلب التي تخضع في الغالب لسيطرة جماعة “هيئة تحرير الشام” الإسلامية، لكنها لا تزال تحت الحماية العسكرية التركية.
لم تكشف أنقرة بعد عن خطة ما تسمّيه بـ”العودة الطوعية” لهذا العدد الكبير من الناس، لكن وسائل الإعلام التركية ذكرت أن الحكومة تعتزم تنفيذ عملية من ثماني مراحل تشمل التنسيق مع منظّمات المجتمع المدني، وتقديم دورات مهنية، وإقامة مناطق تجارية.
يقول المحللون إن أولوية الرئيس التركي ليست إعادة اللاجئين بقدر ما هي المطالبة بأرض سورية من الكرد مع تعزيز الدعم المحلي لإعادة انتخابه. لطالما اّتهم الكرد ومحللون سياسيون أنقرة باستخدام “المناطق الآمنة” لإحداث تغيير ديموغرافي على طول الحدود السورية التركية. قال الخبير في السياسة التركية والأستاذ في الجامعة سنان جيدّي لمجلة فورين بوليسي “إن أردوغان مهتم بتخفيف عدد السكان الكرد في شمال سوريا من خلال توطين السوريين غير الكرد على طول الحدود الجنوبية مع تركيا”.
من الواضح أن إنشاء “مناطق آمنة” سيكون دموياً، لأن المناطق التي حددتها أنقرة بعيدة عن أن تكون آمنة اليوم. وعلى الرغم من وقف إطلاق النار بين تركيا وروسيا حليفة الأسد، إلا أن القصف استمر على المناطق التي يسيطر عليها المدعومون من أنقرة في محافظة إدلب. ووقعت أيضاً اشتباكات متفرقة بين القوات التركية وقوات سوريا الديمقراطية في الأراضي التي سيطر عليها مؤخراً السوريون المدعومون من أنقرة.
كان أردوغان قد أعلن خلال الأسابيع القليلة الماضية أن أنقرة ستوسّع عملياتها في شمال سوريا، وتشنّ هجوماً لإخراج قوات سوريا الديمقراطية من بلدتي منبج وتل رفعت السوريتين لتوسيع المنطقة الآمنة “نحن في مرحلة جديدة على درب تصميمنا على تشكيل منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتراً على طول حدودنا الجنوبية”.
في الوقت الحالي، لا تزال خطة أردوغان لإعادة التوطين طوعية من الناحية الشكلية، ولكن بما أن الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين في تركيا لن يرغبوا في العودة إلى سوريا في المستقبل القريب، قال الخبير في السياسة التركية جيدّي إن السلطات التركية من المرجح أن تعيد توطين آخرين بالاكراه.
يأمل العديد من السوريين ألا ترى الخطة النور أبداً وأن تتلاشى من أذهان الأتراك بعد انقضاء الانتخابات. فعلى سبيل المثال، كانت أم أنس مصممة على البقاء. “لن أعود إلى سوريا أبداً بالطريقة التي تقترحها تركيا. لا يوجد هناك مكان آمن واحد طالما أن الأسد في السلطة”.
اللاجؤون السوريون يعلمون تمام العلم بأن الكلام عن المناطق الآمنة يعني:
ـ لعبة يستثمرها أردوغان ومعارضاته في اللعبة الانتخابية.
ـ ليس ثمة مايؤكد بشكل قطعي وحاسم أن هذه المناطق ستكون آمنة.
وثالث ما يعلمونه أن هدف أردوغان اولاً وأخيرًا تفريغ هذه المناطق من الوجود الكردي الذي يعني بالنسبة له “فوبيا” ترافقه من الصحو إلى النوم.
وبالنتيجة سيكون مصيرهم هو “كف العفريت”، فأسباب رحيلهم عن بلادهم مازالت قائمة، فإذا ما كان الحل، فلن يكون سوى بإحداث تغيير جوهري في الصيغة السورية.. تغيير جوهري يعني:
ـ استعاد الناس للنظام في بلاد لم يتردد في وضعهم أمام ثنائية:
ـ الموت أو الرحيل.