من زمان قالها الحبيب بورقيبة

زاوية مينا
لن يتبقّى للـ “مقاومات” ما يكفيها لا من العتاد ولا من الشعارات، فالحقائق على الأرض أثبتت وبالكثير من الجدية، أن هذه المقاومات جُرّدت من سلاحها في المواجهات العسكرية، كما جُرّدت من شعاراتها في الحياة السياسية، فما تسببت به من هزائم كان يكفي لتطوي ماضيها، كما تطوي لغتها.
فهذا نظام الأسد الذي اقتات على شعارات المواجهة، لم يُحدِث سوى أن واجه شعبه بفائض السلاح وصولاً لتدمير البلاد إعماراً وبشراً، وهذه الفصائل الفلسطينية قد تسببت بما يزيد عن الدمار وصولاً للإبادات الجماعية وقد تسببت بها، فيما قوى المقاومة الأخرى محاصرة في لبنان، وغارقة في اليمن، ولم يتبق لها سوى الاستسلام أو كتابة نهاياتها النهائية، وبلا أيّ تعاطف من جمهورها السابق، وقد قادته إلى المجاعة والرصيف.
وهذه وقائع التاريخ:
كل الحروب قادت إلى هزيمة الشعار والسلاح، ولم يتبق سوى الإقرار بالوقائع، فالعالم اليوم يمشي باتجاه التنمية، والاكتفاء، فإذا لم يتحققا بالسلام لن يتحققا بالحروب، ولولا السلام لما استعادت مصر أراضيها المحتلة، ولولاه، ربما وصلت القوات الإسرائيلية إلى العاصمة الأردنية عمّان، وها هي مجموعة الدول العربية التي اتخذت طريق السلام، ذهبت بموازاته نحو العصر، حتى باتت شريكة في منتجات العقل الصناعي، وقد وفرت على شعوبها ضحايا الحروب وتكاليف الحروب، ولعنة السلاح.
والواضح اليوم، أن آخر بلدين مازالا خارج لعبة السلام، هما سوريا ولبنان، وكل المؤشرات تفيد بأنهما ذاهبان اليه، فلبنان باشر وبمنتهى الجدّية إلى سحب سلاح حزب الله.
أما سوريا، فثمة الكثير من المعطيات تفيد بأن حكومتها الحالية، ذاهبة نحو السلام، والمتابع لخطاب السلطة الجديدة، لابد ويعثر على حقيقة استبعاد لغة الحرب من لغتها، فيما مساعي عربية قد يكون متكتماً عليها اليوم، تشتغل نحو طاولة مفاوضات تنتج فيما تنتج سلاماً على طرفي الحدود، وكذا الحال بالنسبة الى لبنان، وهو الأمر الذي كان يمكن أن يتحقق منذ أن وطأ ألرئيس الراحل أنور السادات مطار دمشق، ومن بعدها كانت رحلته الشهيرة إلى الكنيست الإسرائيلي، يوم ألقى خطاباً كان فيه من الشجاعة ما فيه من رجاحة العقل فاستعاد سيناء، وحمى مصر من الخراب، وبمعارضة من حافظ الأسد، الذي لم يستعد أرضاً، ولم ينتصر سوى على ناس البلد بدءاً بتدمير مدينة “حماه” وصولاً لتدمير مقدرات البلد بالسلطة والفساد، وكلّه تحت مظلة مواجهة إسرائيل.
تغيّر الزمن الآن، فالواقعية السياسية تفضي إلى قبول السلام، والعقل الراجح لابد ويختار السلام، أما لغة الحرب فها نحن بمواجهة النتائج، والنتائج:
ـ أهازيج إذاعية.
وكان الحبيب بورقيبة قالها منذ 1964، اذهبوا إلى السلام، فكان الأعقل في عالم مجانين، طالما اتهموه بالجنون.