من "داعش" الى القبيسيات
ما أن تشكلت “الصحوات” في العراق 2008، حتى أطلق النظام السوري سجناء الإسلام الراديكالي من السجون، وأرسلهم الى العراق.. تلك حقيقة يعرفها سجناء سجن صيدنيا من العلمانيين واليساريين الذين تعرضوا لمذابح على يد أولئك السجناء الذين كانوا إلى جانب الجلادين في السجون.. تلك حقيقة لاقت حصادها لاحقًا في تنظيم “داعش”، الذي انتعش ما بعد انطلاق الثورة السورية، ليحوّل الثورة من ثورة “كرامة” و “خبز”، إلى ثورة تائهة، استثمر النظام متاهتها، في التحشيد الدولي ضدها باعتبارها، ثورة “متطرفين”.
لعب النظام لعبة، ربما تسمح لنا بالقول أنها اللعبة الأكثر ذكاء لنظام لم يمارس ذكاءه سوى ببعده الأمني، ذلك البعد الذي كان على حساب التنمية، والحريات، وكرامة الناس.
قبل ذلك بثلاثة عقود، أطلق الجناح الراديكالي لجماعة الاخوان المسلمين المتمثل بتيار عدنان عقلة، حربًا على النظام، واتكّاء على مواجهة التيار المسلّح في جماعة الاخوان، دمّر النظام مدينة حماه، وتحوّل الى نظام أبدي، يستمد مشروعيته من الحرب على الإرهاب، وكان آنذاك قد لعبها على النحو التالي:
ـ تيارات إسلامية تحت إبطه.
ـ وتيارات إسلامية تحت سيفه.
وفي كلا الحالين كان الاستثمار السياسي للتيارات الإسلامية قد وطّد سلطاته، وسمح لمؤسساته الأمنية بالتغول في حياة الناس حتى باتت الدولة الامنية هي الحاضرة، ليغيب سواها عن ملامح الدولة.
وهاهي العقود الثلاثة تمر، ليكون الإسلام السياسي هو الحامل للإرهاب ومبرره، فيما التيارات الإسلامية (التصالحية) تشتغل بالقطعة لدى النظام، وكل من يتتبع مسيرة دار الفتوى السورية يتأكد باليقين أن هذا الإسلام ليس سوى مطية لذاك النظام بدءًا من عائلة كفتارو وصولا الى عائلة المفتي حسون وما أنتج الاثنان من حركات اسلامية من بينها اليوم الحركة النسوية لتي يطلق عليها اسم القبيبسيات، فالآنسة “منيرة”، تدير جحافل من البورجوازية المدينية حيث نساء التجار ورجال الأعمال.
الإسلام في كلا الحالين لم يكن سوى استثمار للطغيان.. في بعده الاول عدنان عقلة ودواعش صيدنايا، وفي بعد الثاني دار الافتاء ومنوعاتها.
ولم يكن هذا حال الاسلام السياسي السوري فحسب، فلقد كان هذا حال مصر السادات يوم تحالف مع الاخوان بمواجهة التيارات القومية واليسارية في مصر، فاجتث الحركة الطلابية في يناير 1977، وغيّب الشخصيات الوطنية الكبرى وأرسل بها الى السجون، وكانت النهاية أن فتكت به تلك التيارات وليست حادثة المنصة سوى تتويج لمسيرة السادات، وقد بحث عن غطاء من الاسلاميين فكان الغطاء مقتله.
حتى صدام حسين، ما أن طورد وسقط من على ظهر السلطة حتى تحوّل الى شخصية إيمانية، إسلامية في رحمها الداعشي.
كل ذلك سيقول بأن الإسلاميين الذين عجزوا عن الوصول الى السلطة في العالم العربي، سوى بمرحلتين قصيرتين هما مرحلة جبهة التحرير في الجزائر، ولم تعش سوى ايام حتى قادت الجزائر الى حرب السنوات العشر، وسنة واحدة في مصر يوم احتل يوسف القرضاوي منصة ساحة التحرير، ليصعد “الاخوان” على أكتاف شباب مصر الثائر، ثم ليسقط بعد سنة من صعوده.
مجمل القصة تتلخص فيما يلي:
ـ لن يصل الاسلام السياسي الى السلطة حتى في قندهار، غير أنه سيكون وسيلة للسلطات الطغيانية في كل آن:
ـ وسيلة للحرب الأمريكية على السوفييت في افغانستان.
ـ وسيلة لاجهاض الثورة السورية.
ـ وسيلة لحرب أهلية ما بعد سقوط صدام حسين في العراق.
وهاهو اليوم يتابع دوره في دمشق عبر ما يسمى بالاسلام الوسطي الذي يقوده كل من ثالوث : المفتي، وزارة الأوقاف، وحريم القبيسيات.
مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.