“موسكفا”، إغراق الرمز والحلم، أم إسقاط طوربيد بحري؟
يومها، وكان ذلك في العام 1989، كان “موسكفا” يحمل اسم ” سلافا” قد شهد التحوّل الاكبر في القرن العشرين، ونعني به التحوّل من عالم الحرب الباردة، إلى القطبية الواحدة ومن بعده سقوط جدار برلين، فعلى متنه صعد جورج بوش الأب، ومعه جينادي غورباتشيف ليقولا للعالم:
ـ لاحروب بعد اليوم.
ومن يومها بات العالم ينام ويصحو على القبضة الامريكية، فلا الحروب انتهت، ولا الصراعات نامت، كل ما حدث أن خرج الاتحاد السوفييتي من لعبة الأمم، وباتت روسيا العجوز التائهة مابين امجاد القيصر ورجال المافيات الذين باعوها سلاحًا وثروات، وحتى اللحم البشري.
“سلافا” أيضًا تعني “المجد”، ولا مجد للروس، أقله وقد أورث غورباتشيف رفيقه يليتسن الدولة واالسلطة، وكان ليلتسين سبق الترنح سُكرًا على بوابات الكرملين فالرجل لم يكن يعرف الصحو أبدًا.
يلتسين، وقد سلّم مفاتيح الكرملين “طوعًا” إلى فتى الكي جي بي فلاديمير بوتين، سلمه مع المفاتيح”الخيبة”، ومن خيبات الامبراطوريات المرحّلة عن التاريخ، تقاسم “مستعمراتها” إن شئنا، وهذه اوكرانيا من المستعمرات التي رحلت على شكل “ازمة”، ليرثها فلاديمير بوتين، وصولاً لما آلت اليه اليوم، فالأكرانيون يبحثون عن حاضنة بديلاً عن روسيا، وروسيا تعلم باليقين أنه إذا ما نام “الناتو” في اوكرانيا، فلهذا معنى واحد:
ـ تقليم أي اظفر سينمو لروسيا في أوراسيا كلها.
لهذا وقعت الحرب الروسية الاوكرانية، وكان على العالم كل العالم أن يدخل حربهما، إن باالاتفاف عبر تزويد أوكرانيا بالسلاح لمواجهة روسيا، او بالحملات الإعلامية وقد أدت فيما أدت إلى انتشار “روسيا فوبيا”، بما شيطن الروس، وحاصرهم، كي لايتبقى لفلاديمير بوتين سوى سلاحي الغاز والقمح لاخضاع اوربا، والسلاح الفتاك ومن بينه “موسكفا” لاخضاع الاوكرانيين على جبهات القتال، ومن الصعب التحقق من الخسائر الحربية لأي من الجبهتين، فالقتلى خسائر هامشية، والبيوت المهدمة كذلك، وليس من دمار يمكن تسجيله باعتباره واقعة تاريخية تحمل رمزيتها سوى عطب، فغرق، لبارجة بحرية عملاقة تساوي “موسكفا”.
أصيبت “موسكفا” ومع إصابتها، ثمة ما يستدعي التاريخ، كما لو أنها قطعة تاريخية اكثر مما هي حربية، فـ “موسكفا” القاذف للصواريخ وضع في الخدمة العام 1983 أثناء الحقبة السوفياتية ، وهي الطراد الذي يبلغ طوله 186 مترا، مزود بـ16 صاروخا مضادا للسفن من طراز بازلت/فولكان وصواريخ فورت ونسخة بحرية من صواريخ اس-300 طويلة المدى وصواريخ أوسا قصيرة المدى، كما يحمل قاذفات صواريخ ومدافع وطوربيدات.
ووفق وكالة ريا نوفوستي الروسية للأنباء، خضع الطراد لعمليتي تجديد وتحديث كبيرتين آخرهما بين عامي 2018 و2020.
يمكن أن يصل طاقمه إلى 680 عنصرا، وفق وزارة الدفاع الروسية.
هذا الـ “موسكفا” جال حول العالم لإجراء مناورات عسكرية، وزار الكثير من الموانئ الأوروبية والآسيوية والإفريقية.
صعد الكثير من القادة الأجانب على متنه، وقد رحب فلاديمير بوتين نفسه بزعماء قريبين منه مثل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في آب/ أغسطس 2014 في سوتشي ورئيس الحكومة الإيطالي الأسبق سيلفيو برلسكوني خلال زيارة لإيطاليا، وسواهما من القادة في العالم، ليس لفاعليته الحربية، ربما لرمزيته، ولهذا كان لغرق “موسكفا” هذا الضجيج الإعلامي، فالامبراطوريات تسقط أولاً بسقوط رموزها، ومن بعده بسقوط جنودها، ومن بعد هذا وذاك، تسقط في هيبتها، وثمة من يعتقد اليوم أن سقوط “موسكفا” ليس سقوط طوربيد بحري يصطاد المدن كما يصطاد الأسماك البحرية:
ـ إنه سقوط أحلام القوة.
ـ رموز القوة.
ومن بعدهما قد تسقط القوة بعد انكسار جناحيها “الرمز، والحلم”.