نتنياهو بين ضغوط العزلة الدولية وتصاعد الأزمة الداخلية في إسرائيل

مرصد مينا
في ظل تصاعد وتيرة الحرب على قطاع غزة، وتزايد الانتقادات الدولية التي تندد بالعمليات العسكرية الإسرائيلية الدموية، واشتداد الصواريخ التي يطلقها الحوثيون مستهدفة قلب تل أبيب، يجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه محاصراً في مواجهة مزدوجة، عزلة دولية متزايدة تضعه تحت ضغط متصاعد، وصراعات داخلية تتجه نحو مرحلة غليان قد تخرج عن السيطرة.
أزمات داخلية لا تنتهي
تشير العديد من التقارير إلى أن نتنياهو يفقد قبضته على مفاصل الحكم داخل إسرائيل، ما يضاعف من الأزمات التي يواجهها على الصعيد الداخلي.
في المقابل، يظهر مندي صفدي، عضو مركزي في حزب الليكود وعميد مركز صفدي للديبلوماسية الدولية والأبحاث، دفاعاً قوياً عن شرعية قرارات نتنياهو، متهماً المعارضة بمحاولة التفاف يائس على نتائج الديمقراطية، معتبراً أن الأزمة الحقيقية تكمن في فشل المعارضة اليسارية في الإطاحة بالحكومة عبر الانتخابات.
أزمة يسارية” وليست أزمة حكومية
في هذا السياق يقول مندي صفدي أن ما يجري في إسرائيل لا يعدو كونه “غضب يساري” متكرر يعبر عن عجز المعارضة اليسارية، التي لم تنجح على مدى سنوات طويلة في هزيمة نتنياهو عبر صناديق الاقتراع.
وقال صفدي في تصريحات صحافية اليوم السبت: “اليسار الإسرائيلي يجدد أسباب التظاهر بشكل مستمر، لكن دون تحقيق مكاسب سياسية أو شعبية حقيقية”، مشدداً على أن الغضب الوحيد الموجود هو غضب فشل المعارضة في الانتخابات.
وأضاف: “أولئك الذين فشلوا ديمقراطياً يهاجمون الحكومة باستمرار تحت شعارات جديدة”.
رغم هذه الرؤية القوية التي تلقى قبولاً لدى جمهور اليمين، فإنها تتناقض بشدة مع ما تشهده شوارع تل أبيب من مظاهرات حاشدة، وأحياناً مواجهات عنيفة بين المحتجين والشرطة، إلى جانب تحذيرات من قادة أكاديميين وأمنيين سابقين من خطر انهيار المنظومة الديمقراطية في إسرائيل.
تعيين زيني لرئاسة الشاباك يثير جدلاً حاداً
واحدة من أكثر القرارات التي أثارت الجدل في الفترة الأخيرة هو قرار نتنياهو بتعيين اللواء ديفيد زيني رئيساً لجهاز الأمن الداخلي “الشاباك”، رغم وجود قرار قضائي مؤقت يوقف تنفيذ هذا التعيين.
وصفت المدعية العامة هذا التعيين بأنه “معيب”، فيما حذر أريئيل بورات، رئيس جامعة تل أبيب، من أن المضي قدماً في هذا التعيين قد يشعل فتيل “حرب أهلية” في البلاد.
مع ذلك، رفض مندي صفدي هذه الانتقادات جملةً وتفصيلاً، مؤكداً أن تعيين زيني تم وفقاً للقانون الإسرائيلي، وأن دور رئيس الحكومة هو تقديم المرشح، وتتم المصادقة عليه من قبل الحكومة.
وأضاف أن الاعتراضات القضائية على هذا القرار تمثل “تدخلات غير مقبولة” في عمل الحكومة، موضحًا أن الصراع الحقيقي هو مع اليسار الذي فشل في كسب ثقة الناخبين، وأن هذه القضية سياسية بامتياز وليست قضائية.
كما اعتبر صفدي أن إسرائيل تعمل وفق دستور واضح، وأشار إلى أن من يرفض هذا النظام يجب أن يسعى إلى تغييره عبر الطرق الديمقراطية وليس من خلال الاحتجاجات أو الاعتراضات القضائية.
غليان في الشارع الإسرائيلي
على الأرض، لا تتلقى رواية صفدي الإجماع، حيث يخرج الآلاف أسبوعياً إلى الشوارع للاحتجاج على سياسات نتنياهو، ويطالبون بوقف ما يرونه محاولة لتقويض القضاء، وانتقادات حادة لـ”تضحيات” الجيش الإسرائيلي التي تذهب بها أرواح الجنود والمدنيين، مما يفاقم الأزمة الداخلية.
في تل أبيب، تحولت بعض التظاهرات إلى مواجهات عنيفة بين المتظاهرين والشرطة، مما يعكس هشاشة المشهد الداخلي والخلافات العميقة بين مختلف الفئات الاجتماعية والسياسية.
ورغم ذلك، يزعم صفدي على أن المتظاهرين لا يمثلون بالضرورة شرائح واسعة، بل هم مجموعة قليلة تدعي تمثيل احتياطي الجيش والأكاديميين بدون تفويض حقيقي، مضيفاً: “اليوم من السهل لأي شخص أن يعلن تمثيله للجنود الاحتياطيين، لكن على الواقع هو يمثل نفسه فقط”.
وأكد أن الاحتياطيين في الجيش يشملون طيفاً واسعاً من الاتجاهات السياسية ولا يمكن اختزالهم في معسكر واحد معارض لنتنياهو.
الهجوم الصاروخي الحوثي
في سياق التوتر الداخلي المتصاعد، أعلنت جماعة الحوثي في اليمن استهداف مطار بن غوريون بصاروخ باليستي، ما زاد من تعقيد المشهد السياسي والأمني في إسرائيل.
رغم إعلان الحوثيين عن مسؤوليتهم، حاول صفدي التقليل من أهمية هذه الهجمات، مؤكداً أن الصواريخ لا تصل إلى الأراضي الإسرائيلية بل تتفجر في الجو، مما يمنع حدوث أي أضرار حقيقية.
وأشار إلى أن حركة المسافرين في المطار لم تتأثر بشكل كبير، ووصف الحديث عن شلل في حركة المطار بأنه “ترويج إعلامي” بعيد عن الواقع، مبيناً أن الإنذارات الأمنية تؤدي إلى توقف مؤقت للحركة لا يتجاوز عشر إلى ثلاثين دقيقة.
انقسامات داخل المؤسسة العسكرية
وسط هذا المناخ المتوتر، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس توجيهاته بمنع الجنرال يائير جولان من دخول قواعد الجيش وارتداء الزي العسكري، عقب تصريحاته التي اتهم فيها الجيش “بقتل الأطفال كهواية” خلال العمليات في غزة، وقال إن إسرائيل “تتجه نحو العزلة الدولية”.
في المقابل، أوضح جولان أن آخر ظهور له بالزي العسكري كان في 7 أكتوبر خلال محاولته إنقاذ المدنيين الذين قتلوا نتيجة فشل الحكومة في إدارة الأزمة، مما كشف عن عمق الانقسامات الداخلية داخل المؤسسة العسكرية.
وقد وصف إيهود باراك، رئيس الوزراء السابق، هذه التطورات بأنها بداية “تفكيك الدولة من الداخل”، في إشارة إلى هشاشة المنظومة الأمنية والسياسية.
غير أن صفدي يرفض تصوير المشهد على أنه انقسام خطير، مؤكداً أن الحكومة تملك الصلاحيات الممنوحة لها من الشعب، وأنها تعمل ضمن القانون والديمقراطية، مجدداً تأكيده على شرعية الإجراءات المتخذة.