نتنياهو.. “شرق أوسط جديد” على مائدة الكلاب

نبيل الملحم
منذ صعوده الأول إلى السلطة في عام 1996 وحتى اليوم، ظل بنيامين نتنياهو أشبه بعنقاء إسرائيل السياسية، لا يغيب طويلًا حتى يعود، غالبًا من بوابة أزمة كبرى أو انقسام داخلي، لكن ما الذي يفسّر هذه القدرة المتكررة على العودة؟ أهي كاريزما الزعيم، أم عقلية رجل أمن؟ أم شخصية مسكونة بعقدة “القلعة المحاصرة”؟
لا يكفي النظر في أفعاله السياسية، بل ينبغي الغوص في سيكولوجيته، الرجل الذي نشأ في كنف أبٍ مؤرخٍ صهيوني يميني متشدد، وتربى على عقيدة أن “اليهود مهددون وجوديًا”، حمل معه هذه الرؤية إلى قلب السلطة، ليُعيد صياغة معادلة الحكم:
ـ الأمن أولًا، والسلام لاحقًا… وربما لا يأتي أبدًا.
نتنياهو لا يرى نفسه مجرد رئيس وزراء، بل الزعيم الضروري.. منقذ الأمة.. هذا الحس المفرط بالقدَر الشخصي دفعه لاستخدام كل أدوات الصراع – من التحريض الإعلامي، إلى هندسة التحالفات المستحيلة، وحتى الدخول في صدامات مفتوحة مع القضاء الإسرائيلي.
في عهده، تراجع حلّ الدولتين من مشروع ممكن إلى سراب بعيد، وتحت إدارته، تضاعفت وتيرة الاستيطان، وتهويد القدس بلغ ذروته، والضفة الغربية قُسّمت عمليًا إلى كانتونات أمنية لا رابط بينها.
لكنه في المقابل، أحدث انقلابًا في خارطة التحالفات الإقليمية: ما كان يُعرف بـ”الصراع العربي الإسرائيلي” تلاشى لصالح “تحالفات إسرائيلية عربية ضد إيران”، فهو مهندس “اتفاقات أبراهام”، وعرّاب التطبيع الذي لم يعد يتطلب “أرضًا مقابل السلام”، بل “تكنولوجيا وسلاحًا مقابل صمت”.
من غزة إلى طهران، ومن دمشق إلى الضفة، استخدم نتنياهو الحرب كأداة انتخابية.. الحرب عنده ليست دائمًا بالمدافع، بل تبدأ أحيانًا بحملة إعلامية، أو بهجمة سيبرانية، أو بصفقة تسليح مدروسة.
وإذا كان الشرق الأوسط ملعبه التقليدي، فإن الساحة الداخلية في إسرائيل هي معركته الحقيقية.. نتنياهو لم يعد فقط رئيسًا للوزراء، بل زعيم تيار كامل يسعى إلى تغيير وجه النظام الإسرائيلي من الداخل – بإضعاف القضاء، ومأسسة حكم اليمين المتطرف، وتحويل الدولة إلى “مستوطنة كبيرة تحت راية قومية دينية”.
له من يشبهه في هذا العالم:
فهذا فلاديمير بوتين، من يُقدّم الأمن على السياسة، وهذا رجب طيب أردوغان الذي لايعترف إلّا بصوته، وليس بعيداً عن دونالد ترامب في النرجسية ولغة المواجهة.
اليوم، يواجه نتنياهو ملفات فساد، احتجاجات واسعة، وشرخًا داخليًا في المجتمع الإسرائيلي لم يعرف له مثيل، لكنه، كعادته، لا يُراهن على الشعب، بل على “الخطر”، إذ كلما اقتربت نهايته السياسية، أخرج من جرابه حربًا،
بنيامين نتنياهو ليس مجرد زعيم سياسي، بل هو تجسيد لمرحلة كاملة في تاريخ إسرائيل، مرحلة “اليمين القومي” الذي يرفض الاعتراف بالحدود، ويحوّل الصراعات إلى فرص سياسية، ويستخدم رواية الضحية ليبرر التفوق والسيطرة.. و “حماس” تمنحه حبل النجاة.. تمنحه ما يكفي من الذرائع لتكون وقود قاطرته.
ـ وإلاّ كيف استثمر بـ “رهائن طوفان الأقصى”؟
هل يسقط نتنياهو أخيرًا؟ أم يُثبت مجددًا أن الخوف هو أعظم حليف في صندوق الاقتراع؟
قبل أن يسقط، ثمة من وعدهم بـ “شرق أوسط جديد” يُطعمه للكلاب، وثمة من الإسرائيليين من يضيف إلى التوراة فصل جديد يحمل اسم “بنيامين نتنياهو”.