نتنياهو”… قائد الأوركسترا التي لا تعرف سوى لحن الحرب”

صندوق المرصد
انعقد الكابنت السياسي-الأمني.. العنوان الرسمي: “بحث توسيع الحرب في غزة”. المعنى الفعلي: المزيد من الخراب، المزيد من الدماء، والمزيد من الأرواح المصفوفة على رف “الأضرار الجانبية”.
لمن نسي، نتنياهو لم يخترع هذه السياسة بالأمس. منذ ولايته الأولى في التسعينيات، وهو يقرأ من النوتة ذاتها: إدارة الأزمات لا حلّها، صناعة الخوف لا تبديده.
في 1996، جاء إلى الحكم بشعار “السلام الآمن”، لكن سرعان ما اكتشف أن الأمن، بالنسبة له، لا يتحقق إلا حين يظل السلام بعيد المنال، ومنذ ذلك الوقت، كل حرب صغيرة كانت مقدمة لحملة انتخابية، وكل تصعيد كان جداراً يقيه من سقوط سياسي.
عبر عقود، نجح نتنياهو في تحويل حالة الطوارئ إلى نظام حكم دائم، ففي عهده، باتت إسرائيل أشبه بقلعة تستيقظ وتنام على وقع صافرات الإنذار.
الخارج، بالنسبة له، ساحة لتفريغ الأزمة، أما الداخل، فهو مختبر لإدارة الانقسام، وحتى إصلاحاته المثيرة للجدل في القضاء لم تكن سوى فصل جديد من استراتيجية “فرّق تسد”، تقسيم المجتمع إلى معسكرات متناحرة، ثم الظهور كالحاكم الوحيد القادر على ضبط الفوضى التي صنعها بنفسه.
لكن الحرب الأخيرة على غزة لم تعد مجرد فصل من هذه المسرحية، بل تحولت إلى عرض شامل يلتهم الخشبة والجمهور معاً.. الداخل الإسرائيلي يغلي:
ـ احتجاجات على إهمال ملف المخطوفين، عائلات جنود تسأل عن جدوى الدم، وفنانون ومثقفون (أكثر من ألفي شخص) يوقعون على عريضة تطالب بوقف الحرب و”وقف الفظائع في غزة”. صورة جماهيرية تعكس حقيقة لا يريد النظام النظر إليها، فيسعى إما إلى تحطيمها أو إزاحتها عن المشهد.
المفارقة المرة أن هذه الاعتراضات لا تأتي فقط من “معسكر اليسار” التقليدي، بل من قلب العائلات التي طالما دعمت الجيش والحروب.
هنا، يتجلى ما حاول نتنياهو تجاهله: أن الحروب، مهما كانت شعاراتها، تترك شقوقاً عميقة في الداخل، وأن “الوحدة الوطنية” التي يبيعها في المؤتمرات الصحفية لا تعيش إلا في خطابات السياسيين، لا في شوارع تل أبيب أو بيوت الثكالى.
الطريف (أو المأساوي) أن نتنياهو يواصل لعب دور قائد الأوركسترا، يرفع عصاه فتشتعل الجبهات، يلوّح بيده فيسكت الجدل الداخلي، لكن مع كل لحن حرب جديد، تزداد النشاز في المجتمع، ويعلو صوت الانقسام على صوت النصر المزعوم.
التاريخ يعلّم أن الحروب قد تسقط القادة أو تخلدهم، لكن نتنياهو يبدو أنه يراهن على خيار ثالث:
ـ البقاء في الحكم بينما يسقط كل شيء آخر من حوله.
وربما هنا تكمن المأساة الحقيقية، والمأساة أن الكارثة لم تعد حادثاً عرضياً، بل أصبحت جزءاً من خطة عمل.
ـ في النهاية، الصورة ما زالت موجودة.
تكسرها السلطة، يعيد الناس لصقها.. لكن وجه إسرائيل، تحت حكم نتنياهو، صار يعرف جيداً كيف يهرب من النظر إليها.