نزع سلاح المخيمات الفلسطينية في لبنان: سؤال السيادة وسردية السلاح

صندوق المرصد
في المشهد اللبناني المتأزم دومًا بين الهشاشة الأمنية والتوازنات الطائفية والسياسية، يعود إلى الواجهة مجددًا ملف “نزع سلاح المخيمات الفلسطينية”.
ملف شائك ومركب، لا يمكن تناوله بعيدًا عن الجغرافيا، والتاريخ، والكرامة الوطنية الفلسطينية، ولا عن معادلات السلطة اللبنانية التي ظلت، لعقود، تدور حول مراكز قوى داخلية وخارجية.
يعود الوجود العسكري الفلسطيني في لبنان إلى أواخر الستينيات، بعد خروج منظمة التحرير من الأردن إثر أحداث “أيلول الأسود” عام 1970.
وفي أعقاب اتفاق القاهرة 1969 بين الدولة اللبنانية والمنظمة، سُمِح للفصائل الفلسطينية باستخدام الأراضي اللبنانية الجنوبية “للعمل الفدائي ضد إسرائيل”، مقابل التزام أدبي بعدم التدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية.
لكن هذا التوازن الهش انهار سريعًا، ومع بداية الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، تحوّلت بعض الفصائل الفلسطينية إلى لاعب مسلح فاعل في الداخل اللبناني، سواء بالدفاع عن الوجود الفلسطيني أو بدخولها في صراعات مع أطراف لبنانية. وهكذا، صار السلاح الفلسطيني جزءًا من المشهد الأمني اللبناني، يحمل في طيّاته تناقضًا وجوديًا:
ـ مقاومة مشروعة من جهة، وتداخل مع السيادة الوطنية من جهة أخرى.
اليوم، حين يُطرح “نزع سلاح المخيمات الفلسطينية”، فإن السؤال لم يعد مرتبطًا بالسياق المقاوم، بل بالأمن الداخلي، وضبط السلاح غير الشرعي، وتكريس سيادة الدولة اللبنانية على أراضيها.
لكن الإشكالية تكمن في أن هذا السلاح لم يَعُد مقاومة، ولا بقي بيد منظمة التحرير وحدها، بل توزّع بين تنظيمات إسلامية، وجماعات موالية لهذا الطرف أو ذاك، وأحيانًا خارجة عن أي ولاء سياسي معروف. وتحولت بعض المخيمات، كما في عين الحلوة، إلى بؤر اشتباك شبه دائم، ضحاياه غالبًا من المدنيين. والسؤال القديم المستجد:
هل يعيد نزع السلاح السيادة إلى لبنان؟
نظريًا، نعم. فالسيادة لا تكتمل إلا عندما تحتكر الدولة وحدها حق امتلاك واستخدام السلاح ضمن القانون. ولكن عمليًا، فإن نزع سلاح المخيمات وحده لن يعيد هذه السيادة، ما دامت الدولة نفسها عاجزة عن نزع السلاح من قوى داخلية لبنانية تفوق في قوتها وقدرتها الفصائل الفلسطينية، وتمسك بمفاصل القرار الأمني والسياسي.
لذلك، فإن الحملة على السلاح الفلسطيني- إن لم تُدر بحكمة وتوازن وعدالة شاملة – قد تبدو وكأنها انتقائية، أو كبش فداء لواقع سيادي مأزوم.
في لبنان، لم يَعُد السلاح الفلسطيني مقاومة فعلية ضد إسرائيل، خصوصًا بعد انسحابها من الجنوب عام 2000. كما أن اتفاقات أوسلو، وتراجع دور منظمة التحرير في العمليات المسلحة، جعلت هذا السلاح بلا غطاء سياسي موحّد.
أكثر من ذلك، فإن تحوّل بعض هذا السلاح إلى أداة لتصفية الحسابات الداخلية، أو لحماية مصالح فئوية، شوّه صورته وأضعف شرعيته. حتى داخل المخيمات نفسها، وهكذا يتساءل اللاجئون:
ـ هل هذا السلاح يحمي حق العودة، أم يكرّس واقعًا من العزلة والخوف؟
نزع السلاح من المخيمات ليس فقط إجراءً أمنيًا، بل امتحان سياسي وأخلاقي للدولة اللبنانية وللجماعات الفلسطينية على حد سواء. هو خطوة نحو السيادة، نعم، لكنه لا يجب أن يكون فصلًا في رواية تحميل الفلسطينيين وزر ما فشلت به أطراف لبنانية كثيرة.
ولعل الأهم من نزع السلاح، هو استعادة كرامة اللاجئ الفلسطيني، عبر قانون عادل، ومعاملة إنسانية، وأفق سياسي يعيد للشتات بوصلته: لا في حمل السلاح، بل في حمل الحلم بالعودة