نسيج إسرائيل الاجتماعي يحترق ووقوده أطفال اليمن
أخفق الاحتلال الإسرائيلي في أن اثبات رواياته، والتي تدعي الحضارة وسط شرق أوسط متخلف بحسب وصفها، حيث لم تتمكن من تنفيذ دورها الأوربي الغربي في الوسط الشرقي العربي، كما تفشل في كل يوم في نقض غزلها الذي ما زالت تنسج فيه من 60 عام.
فالنسيج الاجتماعي الإسرائيلي يحترق بحطبٍ أفريقي ووقودٍ يمني؛ فيهود الفلاشا ذو البشرة السوداء هم درجة ثانية بعد اليهود الأوربين “الأشكناز” ذو البشرة البيضاء، لكن يهود اليمن هم الأسوء حظاً، فمرتبتهم لا تتعدى كون أطفالهم “ميدان تجارب” في المختبرات الإسرائيلية، على الرغم من تاريخهم اليهودي الثابت، وكل من يدعي اليهودية غيرهم مشكوك في تاريخه اليهودي من ناحية التوثيق العلمي.
ويبرز إلى واجهة المشهد الاجتماعي داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة والتي تسيطر عليها الحكومة الإسرائيلية، قضية الأطفال اليمنيين الذين يمتون في المشافي أو يفقدون دون أن يعرف أهاليهم أي خبر عنهم، دون وجود مبرر علمي واضح لسبب الوفاة سوى تسريبات تقول بأنهم “فئران تجارب”.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تطرق إلى هذه القضية عام 2016 وقال إن “قضية الأطفال اليمنيين هي جرح مفتوح يستمر في النزف في العديد من العائلات التي لا تعرف ما حدث للأطفال، والأطفال الذين اختفوا يبحثون عن الحقيقة”.
خرج في أنحاء مختلفة من الاحتلال الإسرائيلي، الأربعاء31 تموز الفائت، نحو 200 شخص شاركوا في المسيرة التي حمل المتظاهرين فيها لافتات عليها صور للأطفال اليمنيين المختفين، وتواريخ أكدوا أن الأطفال تعرضوا للخطف خلالها.
وكلفت حكومة الاحتلال لجنة حكومية عام 2001 بدراسة مزاعم اختفاء الأطفال وخلصت اللجنة إلى نتيجة مفادها أنه “لا يوجد أساس واقعي للاختطاف المنظم للأطفال اليمنيين”.
وقالت اللجنة إن “معظم الأطفال قد ماتوا بسبب المرض”، وهو ما كذبه أهالي الأطفال، وقابلوا هذه النتيجة بالتشكيك حيال أداء ومهنية اللجنة من قبل العائلات والخبراء القانونيين ووسائل الإعلام التي نشرت سلسلة من تقارير التحقيق حول هذه القضية.
ردود إسرائيلية
وتسربت وثائق نشرت حزيران الماضي، كشفت عن خضوع مئات الأطفال اليمنيين الذين هاجروا إلى إسرائيل قبل عقود، برفقة ذويهم، إلى تجارب طبية غير إنسانية.
وذكرت صحيفة “معاريف” على موقعها الإلكتروني أن منظمة تسمى “عامرام” معنية بهذا الملف، هي من يقف وراء تنظيم التظاهرات المطالبة بكشف مصير الأطفال اليمنين، والاعتراف كونهم “فئران تجارب” في المختبرات الإسرائيلية، بالتعاون مع منظمات حقوقية أخرى، وأنها وجهت رسائل إلى جميع نواب الكنيست مطالبة إياهم بأن يعربوا عن موقفهم بوضوح من هذه القضية ، أون يشاركوا في التظاهرات.
وقال رئيس المنظمة وأحد مؤسسيها ويدعى “شلومي حاتوخا” :”على الرغم من أن هذا العام شهد فتح الأرشيف والإفراج عن بروتوكولات لجنة التحقيق الحكومية، لكن ينبغي على إسرائيل أن تحرز تقدما ملموسا في هذا الصدد، وأن تعترف وتقدم اعتذارا رسميا لعائلات الأطفال المختطفين”.
ودعا رئيس هذه المنظمة الحكومة الإسرائيلية إلى “الاعتراف بأطفال اليمن الذين اختطفوا كمفقودين وأن تتخذ بناء على ذلك الخطوات المطلوبة للعثور عليهم وإعادتهم إلى عائلاتهم”.
وفي هذا الصدد، قالت عضو الكنيست ميكال روزين، النائبة عن حزب “ميرتس” اليساري، والتي شاركت في التظاهرات :”بعد سنوات طويلة من التجاهل والنفي، آن الأوان لنسف جدار الصمت”، مضيفة “تعد مأساة أطفال اليمن والشرق الأوسط والبلقان المخطوفين جريمة بشعة”.
وكشفت وثائق رسمية إسرائيلية، حزيران الماضي، أن مئات الأطفال اليمنيين الذين هاجروا لإسرائيل، خضعوا لتجارب طبية غير إنسانية، وذلك طبقا لبروتوكولات لجنة التحقيق التي شكلت بشأن أطفال اليمن، لتصبح تلك هي المرة الأولى التي تظهر فيها دلائل حول هذه القضية.
وأظهرت صور نشرها الإعلام الإسرائيلي الأطفال في وضع غير إنساني، وقد كتب على جسد كل منهم طبيعة التجربة التي تُجرى عليه، ما يؤكد أن تلك التجارب كانت وحشية، وانتهت بموت بعض هؤلاء الأطفال الذين عوملوا بمثابة “فئران التجارب”.
وأشار المصدر إلى أن الحكومات الإسرائيلية عملت على طمس معالم هذه الفضيحة، وإلى أن أطفالا “ينتمون لعائلات يهودية من اليمن وغيرها من دول الشرق الأوسط، تم اختطافهم في إسرائيل، تتراوح أعدادهم بين 1000 إلى 4500 طفل، اختفوا بعد هجرة عائلاتهم في الفترة من 1948 إلى 1954”.
وصرّحت الحكومة الإسرائيلية في حزيران الماضي، أنها “بصدد تشكيل لجنة للتحقيق في تلك القضية وجمع الوثائق والشهادات بشأنها، بهدف كشف الغموض عن تفاصيلها بشكل نهائي”.
طالب آلاف من الإسرائيليين بالاعتراف بقضية التجارب الطبية على الأطفال اليمنيين، واعتبارها إحدى الكوارث التي أصابت قسما من النسيج الاجتماعي الإسرائيلي.
وطالب المتظاهرون أيضا بتحديد يوم ثابت لإحياء ذكرى اختطاف أطفال يمنيين، وآخرين هاجروا من مناطق أخرى خمسينيات القرن الماضي وخاصة من دول الشرق الأوسط والبلقان.
انتزاع قلوب وأجساد معدة للتجارب
ذكر تقرير نشرته صحيفة “The Time Of Israel” أن المشرعين الإسرائيليين يعيدون النظر في شهادات يعود تاريخها إلى 20 عاما عن إجراء تجارب طبية على مهاجرين جدد خمسينيات القرن الماضي.
وأفاد التقرير بأن تلك الشهادات تحدثت عن إجراء فحوصات على عينات دم أخذت من مهاجرين يمنيين خمسينيات القرن الماضي لمعرفة ما إذا كانت تسري في عروقهم دماء زنجية، وعن التقاط صور لأطفال ظهرت فيها أعضاؤهم بشكل واضح، وانتزاع 60 قلبا من جثث مهاجرين جدد من اليمن لإجراء بحوث طبية عليها، في مشروع تقول “مزاعم” إن الولايات المتحدة كانت تموّله.
الصحيفة الإسرائيلية ذكرت أن هذه “المزاعم” قُدمت في 2017 إلى لجنة في الكنيست خاصة بحالات اختفاء أطفال من اليمن والشرق الأوسط والبلقان، بالاستناد إلى شهادات أدلت بها كوادر طبية منذ 20 عاما.
ووصف التقرير هذه الشهادات بأنها ادعاءات مروّعة بعض حالاتها كانت صحيحة، مشيرا إلى أنها تدل “على تراخي الرقابة الطبية وتشريعات متساهلة غير منهجية، وتجارب خبيثة وإجرامية حاولت بعض تقارير وسائل الإعلام اقتراحها”، مضيفا أن لجنة الكنيست أعادت تقييم الأدلة، وأعربت عن “فزعها، لكنها لم تتخذ مزيد من الإجراءات”.
وأوضحت الصحيفة الإسرائيلية أن لجنة التحقيق التي شكلها الكنيست كانت “مكلفة بالتحقيق في اختفاء أكثر من 1000 طفل في ما يسمى بقضية الأطفال اليمنيين المختطفين، حيث في 1996-1997 تم جمع الوثائق التي تزعم بشأن تجارب طبية للمهاجرين الجدد من اليمن”.
وذكر التقرير أن “الادعاءات التي تفيد بأن الأطباء استخدموا خلايا دم يهودية يمنية لاختبار فقر الدم المنجلي والأصول الأفريقية أكدتها مقالة نشرت في مجلة لانسيت الطبية في تشرين الثاني 1952، في ذلك الوقت، لم يتطلب القانون الإسرائيلي الموافقة على مثل هذا الإجراء”.
ولفتت الصحيفة أن أكثر من 1000 أسرة، معظمهم من المهاجرين من اليمن وعشرات من دول البلقان وشمال أفريقيا ودول الشرق الأوسط الأخرى، “زعموا” منذ خمسينيات القرن العشرين، أن أطفالا لهم اختطفوا بشكل منهجي من المستشفيات الإسرائيلية وعُرضوا للتبني أحيانا خارج البلاد.
مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي