هل الطائفية انتهت في لبنان؟ وكيف ينظر السنة للمتغيرات؟
بعد الاحتجاجات اللبنانية التي غيرت في شكل المعادلة السياسية قليلاً، لم تعد التصنيفات الطائفية هي التي تحكم النشاطات السياسية اللبنانية، وبالرغم من هبوط حدة هذا المؤشر الخطير في البلد الذي أنهكته الحرب الأهلية نهاية القرن الماضي، فإن الميزان الطائفي ما زال ينظم النظرة السياسية والعسكرية في البلد، فمن الصعب التخلي عن أحد المعايير الهامة في بناء هذا البلد الملون.
مؤخراً بات السنة اللبنانيون منقسمين في بعض الأمور ومتفقين في أخرى، على أن العديد من الزعامات السنية السياسية في البلد الذي تحكم فيه الطائفة عالم السياسية، متفقون على أنه السنة خسرت الكثير في السنوات السابقة، وأن شخصية “سعد الحريري” أصبحت مثار جدل وخلاف، بعد أن كان والده رفيق الحريري من أسباب قوة هذا المكون.
وللسنة أهمية في معادلة الشرق الأوسط المضطرب، إذ تعمل دول كبيرة على استمالتهم وأخرى لا تقل قوة على ضربهم، وكسر شوكتهم.
نحاول تسليط الضوء على هذه الزاوية في المشهد السياسي اللبناني، حيث التقى مرصد الشرق الأوسط بوجهين بارزين في المشهد السياسي اللبناني، وجمع من خلال اللقاء وجهتي نظر لسياسي ولعسكري حول، موقع السنة اللبنانيين في المشهد السياسي اليوم، بعد وصول “حسان دياب” لرئاسة الحكومة خلفاً لـ “سعد الحريري”.
إذ يرى النائب اللبناني السابق “مصلح الأحدب” في لقاء له مع مرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الإعلامي، أن المكون السني في لبنان لم يعد حاضرًا بقوة كما كان سابقاً، لا لشيء بل لأن هذا الفكر القديم في طريقه للنيسان، بعد أن وحدت هتافات المحتجين اللبنانيين، المجتمع والدولة اللبنانية بعيداً عن الطائفة، بالرغم من أن للأطراف النووية برأي “الأحدب” موقفاً موحداً لا يرحب بوجود “دياب” على رأس الحكومة اللبنانية.
وقال الأحدب:”لم يعد أحد اليوم يفكر بماذا يريد السني، الجميع اليوم يفكر بماذا يريد اللبناني، هكذا يقول الناس في الشارع، وهذا كلام ممتاز، ونحن كسنة في النهاية مواطنون لبنانيون كغيرنا من الطوائف المكونة للبنان، لدينا حقوق ويجب أن تكون مؤمنة من قبل أي سلطة والرئيس الحريري أو غيره، من يريد الدخول بتسوية سياسية تحت مسمى المدنية، فواقعياً الأمر يكون مذهبيًّا لأنه ببساطة سيحصل بالاتفاق مع أطراف مذهبية أخرى، وعلينا واجبات سنقوم بها”.
وبما يخص الموقف العام من ترؤُّس دياب للحكومة اللبنانية قال:”الأطراف السنيّة معظمها إن لم نقل كلها تعتقد أن هذه الحكومة لا تمثلهم، ورئيس الحكومة لا يمثلهم، فالتيار السني في لبنان غالباً معاد لحزب الله، ولنظام الأسد، وحسان دياب بالرغم من كونه سنيًّا إلاّ أنه مشكوك في سنيته –بالنسبة لي شخصياً- فهو محسوب على نظام الأسد مئة بالمئة، ومعظم الأطراف السنية غير راضية عن الحكومة، فهذه الحكومة لا تأخذ بالحسبان ما يرضي التيار السني اللبناني، ووجهة نظر سنة الحريري وسنة طرابلس، فللمجموعتين نفس وجهة النظر من الناحية الإيديولوجية بهذا الشأن أعتقد، سنة طرابلس يعبرون عن سخطهم عن هذه الحكومة، بينما سنة بيروت لا يعبرون عن انفعالاتهم بنفس الطريقة التي يتبعها سنة طرابلس، فغالباً هم يعبرون عن سخطهم خلال الصالونات واللقاءات، لكن للمجموعتين نفس التفكير ووجهة النظر، ولم يعد هناك شيء يسمى اليوم سنة الحريري، فهم أشخاص معدودين محسوبين على الأصابع”.
ويقف الساسة اللبنانيون الممثلون للكتل السنيّة ضد نظام الأسد، وإيران وكل المليشيات التي تدعمها إيران في المنطقة وعلى رأسهم “حزب الله اللبناني” إذ ينظر هؤلاء إلى مليشيا حزب الله وزعيمه “حسن نصر الله” على أنهم السبب الأول لتدهور الاقتصاد اللبناني، بسبب العقوبات الاقتصادية الأمريكية التي طالت قطاعات اقتصادية لبنانية لها صلة بالمليشيا المدعومة إيرانياً.
ويعتقد “الأحدب” أن الكتل السنيّة السياسية في لبنان خسرت الكثير بسبب رئيس الوزراء السابق “سعد الحريري”، الذي جعل منهم مواطنيين من الدرجة الثالثة: “اليوم السنة ينظرون إلى خساراتهم بسبب الحريري، فهو السبب في خسرانهم الكثير من المراكز، والحقائب، الحريري جعل من سنة لبنان مواطنيين من الدرجة الثالثة، لهذا لم يعد هناك شيء يسمى سنة سعد الحريري، حتى لو شكل الحريري الحكومة فالثورة ستبقى مستمرة”.
ويرى الأحدب أن مطالب المحتجين اللبنانيين لن تتوقف بتشكيل أي حكومة وإنما يريديون ساسة حقيقيين جددًا، ما يهمهم هو مصلحة البلد ويحظون بالقبول الدولي:”ومع ذلك أعتقد بأن الثورة لن تسقط هذا النظام الفاشل، ولن تغير الكثير في البلد، باعتقادي أن الضغوطات الخارجية والعقوبات التي فرضت على لبنان هي من سيؤدي إلى انهيار اللبناني الفاسد”.
فالثورة برأي السياسي اللبناني، مستمرة وستكبر وستمتد، لكن الثورة مهما كانت قوية، فأركان السلطة الحاكمة لن يتنازلوا قيد أنملة عن مناصبهم وكراسيهم، ولا تنسى أن لديهم عصابات ومليشيات مسلحة، وهذا ما يجعلهم مستمرين في مناصبهم، ومحافظين على كراسيهم، بالرغم من أن كأس التغيير قادمة على الجميع، “الأزمة اللبنانية ستنتهي بانهيار النظام الفاسد فقط”.
كما يرى الأحدب وهو نائب سابق في البرلمان اللبناني، أن الطبقة السياسية اللبنانية لم تحترم الدستور اللبناني، وغير متمعة بالقبول الدولي لذا فإنها غير قادرة على النهوض بالبنان:”اليوم الدستور اللبناني غير محترم من كافة الأطراف، حيث تم تجاوز الدستور اللبناني وهذا ما كنا نحذر منه سابقاً، خاصة بما يتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية حيث تم تجاوز ما ينص عليه الدستور هنا . . . “فالحكومة الجديدة إن لم تتمتع بالمصداقية بالداخل وبالخارج، فلا أحد سيساندك، إلى الآن لم يتم طرح الإصلاحات التي يجب أن تتخذ، يوجد إصلاحات مقترحة للخارج وللداخل وما زلنا ننتظر حتى يتم سماعها”.
وطالب السياسي اللبناني إجراءات حقيقة للخروج من الأزمة “فإن لم تتخذ الحكومة إجراءات وتطرح خطط للخروج من الأزمة فلا أهمية لنوع هذه الحكومة، ومن تكون، النظام الذي لم يجد بعد ثلاثة أشهر حل للأزمة المستمرة، هو غير جدير بالثقة، لا من الداخل ولا من الخارج”.
من وجهة نظر العسكرية التي ربما تميل إلى اتخاذ اجراءات واضحة صارمة سريعة ، فإن للواء “أشرف ريفي”، رأيًا اتجاه الطائفية اللبنانية التي مزقت البلاد نهاية القرن الماضي، وجعلت من البلد الصغير مقاطعات متباعدة إيديولوجيًّا، فقد طالب بحكومة خبراء رافضاً لحسان دياب الذي يخل بالتوازن السياسي اللبناني حسب رأيه: ” أنا ابن طرابلس، اليوم للأمانة يوجد رفض لهذه الحكومة، رئيسها عين من قبل الأطراف الآخرين، ولا يوجد له حيثيات سنيّة، والانتفاضة فوق المذهبية نادت بحكومة خبراء ومستقلين، والأشخاص الموجودين اليوم بالحكومة يوجد منهم خبراء، لكن لا يوجد فيهم مستقلين، الذين أوضولهم إلى الحكومة هم نفس الطبقة السياسية، السؤال الذي يطرح نفسه، هل باستطاعتهم اتخاذ قرارات بمعزل عمن أتى بهم إلى الحكومة، أم أنّ قراراتهم تابعة للطبقة السياسية التي أوصلتهم إلى هناك؟”.
وأوضح “ريفي” في حديثه مع مرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أنّ:”كل البيئات اللبنانية المشاركة في الانتفاضة تنظر بعين الريبة لهذه التشيكلة، إن لم نقل إنها ترفض التشكيلة الحكومية، أهل طرابلس يقفون مع الانتفاضة، كما حدث في 2005، وقف حينها 70% من أهل طرابلس مع قوى 14 آذار، واليوم نفس النسبة مؤيدة للانتفاضة، يرفضون الحكومة، وهذه الحكومة من الصعب أن تحظى بجلسة ثقة، فجلسة الموازنة برأي كل طرابلسي شارك بها أخرجت مظاهرات من طرابلس أدانتهم، لدرجة أن القوى السياسية التي شاركت لن تجرؤ على المشاركة في الجلسة القادمة، فالمنتفضون عملوا كل ما بوسعهم لمنع انعقاد جلسة الثقة”.
كما أعلن وزير العدل اللبناني السابق أن البلد دخل بحالة انهيار فعلية: “نحن بحالة انهيار غير معلن، ونحن نخشى من انضمام -ثورة الجياع- للانتفاضة، ونحن على بعد مسافة بسيطة من الانهيار، الوضع الاقتصادي أكثر من صعب، الناس قريبون من المجاعة، أتوقع -ثورة الجياع- للانتفاضة، وهذه تهدد الأمن الأهلي”.
ورفض ريفي العودة إلى لبنان القديم حيث كانت تحكم فيه النظرة الطائفية العملية السياسية: “الثورة ترفض كل رموز الطبقة السياسية الحالية، واللبنانيون يطالبون بتغير كل الوجوه والرموز السياسية اللبنانية الحالية، وتشكيل سلطة سياسية جديدة، ويطالبون بتغير الهيكلية السياسية الحالية، وإعادة الانتخابات البرلمانية لإعادة تشكيل السلطة من جديد، الثورة تطالب علناً بتغيير كل رموز الطبقة السياسية الحالية دون استثناء”.
كما ثمنت النظرة العسكرية للجنرال “ريفي” جهود الجيل اللبناني الصاعد الرافض للتصنيفات الطائفية:”اليوم لا يمكننا التكلم عن الطوائف، فالثورة ثورة الجيل الصاعد اللبناني فوق المذهبية والمناطقية والحزبية، الثورة وطنية لا دينية ولا طائفية، أولاد الثورة أذهلونا بطروحاتهم الوطنية، كنا نعتبره خارج السياسة وخارج الوطنية، لكنهم أثبتوا العكس، لذلك علينا تغيير خطابنا من الخطابات الدينية والطائفية إلى خطابات وطنية”.