هل قتلت في أفغانستان؟
ـ نعم.
ـ حقًا لقد ذهبت سدى.
تلك هي الحقيقة الحزينة، وكانت “التايمز”، وعلى لسان واحد من مراسليها كتبت:”على مدار ما يقرب من عقدين من الزمن، عززنا الفشل الواضح، حيث افتقرنا إلى العقل والشجاعة للاعتراف بما يجري على مرأى من الجميع”.
ـ لقد افتقرنا إلى العقل؟
كلام يستوجب التوقف عنده، وهو الكلام الذي يقال على العكس مما يقوله العسكريين .. كل العسكريين، أولئك الذين لايمتلكون شجاعة الاعترتاف بالفشل، فالشجاعة ليست في هدر الأرواح أبدًا.
مراسل “التايمز” قال أنه حين ذهب إلى أفغانستان في عام 2004، وجد “مزيجا من الأمل واليأس”. وعندما تحاور مع رجل ينتمي إلى طالبان، لمس فيه بعد وقت من الحديث “رجلا شجاعا وأخلاقيا مخلصا، ولكن لديه مواقف ثقافية بغيضة بالنسبة لي”.
وأضاف “عندما انضم لطالبان، لم يكن ذلك يعني أنه انضم إلى جماعة إرهابية، بل كان يقصد طريقة تفكير. وكان ممثلا لمعظم رفاقه الأفغان”.
وقال مراسل “التايمز” إنه في عام 2009 عاد إلى أفغانستان حيث لاحظ أن “الشرطة الأفغانية تضم مجموعة من المتحمسين واليائسين”.
وأضاف ” لا أقترح أن نغادر. بل يجب أن نتراجع. ستكون أفضل أسلحتنا هي المشاركة (إن أمكن) مع الحكومة الجديدة ، والمراقبة والاعتراض بقيادة المخابرات، وإذا لزم الأمر، الضربات الموضعية على المراكز الإرهابية”.
وختم بالقول “ستستغرق قيمنا وقتا حتى تسود في أفغانستان، ربما قرنا أو أكثر. نعم، قد تُحرم أجيال عديدة من التنوير. لكن باستثناء الاستعمار الوحشي هذا هو السبيل الوحيد”.
صدر الصورة،HOLLIE ADAMS
مراسل آخر وهو من صحيفة الغارديان كان في كابول حين تمكنت حركة طالبان من السيطرة عليها
كتب:””كنت في طريقي إلى جبال نورستان في شرق أفغانستان عندما بدأت طالبان في 8 أغسطس/ آب هجومها الذي كان من شأنه، بعد أسبوع فقط، اقتحام القصر الرئاسي في كابول”.
وأضاف “خلال الأيام الأربعة التي أمضيتها في الجبال، استولت طالبان على 10 من أصل 34 عاصمة إقليمية في أفغانستان بالإضافة إلى العاصمتين اللتين استولت عليهما بالفعل في 6 و7 أغسطس/ آب”.
وأوضح الكاتب أن سيطرة طالبان على تلك المناطق “حدث في كثير من الأحيان من دون قتال، على غرار سقوط المقاطعات الذي حدث في الموجة الأولى من تقدم طالبان بين مايو/ أيار ويوليو/ تموز”.
وأضاف “النورستانيون وهم مجموعة عرقية في محافظة نورستان في الشمال الشرقي، الذين استضافوني توصلوا إلى ترتيب مع طالبان. لقد تجاوزوا مؤخرا آخر الجزر الصغيرة الخاضعة لسيطرة الحكومة في مقاطعاتهم الأصلية النائية في كامديش وبارج إي ماتال، لكنهم لم يكونوا مبتهجين. كانوا هادئين. وقلقين. بدأ النورستانيون وسائق سيارة أجرة في كونار في الإشارة إلى الوضع على أنه ثورة وهو مصطلح لم أسمعه من الأفغان من قبل”.
وقال مارتي “في 15 أغسطس/ آب، استسلمت جلال أباد من دون إطلاق رصاصة. كانت كابول محاصرة بشكل فعال، وكان من الصعب الدفاع عنها. وتبخرت تأكيدات غني بأن العاصمة ستتخذ موقفا. واختفت القوات الحكومية وبحلول الليل دخلت طالبان القصر الرئاسي. وفر غني وغيره من كبار الضباط من البلاد”.
وأضاف في مقاله “في حين كان من المتوقع حدوث تقدم كبير من طالبان، فإن الاستيلاء العملي الكامل – وسرعته – أذهل سكان كابول حيث فاجأ سقوط العديد من عواصم المقاطعات الأفغان قبل أيام فقط. يمكن القول إنه كان مزيجا من الأسباب المختلفة التي تسببت في الانهيار: مشكلات الإمداد، وضعف القيادة والاستراتيجية، وأخيرا وليس آخرا، انخفاض الروح المعنوية”.
وقال مارتي إنه في اليوم التالي تفاوتت ردود الفعل: “وخشي بعض الأفغان من قيام طالبان بقمعهم والانتقام من الأشخاص المرتبطين بالحكومة المخلوعة أو القوات العسكرية الدولية، وهرعوا بشكل محموم إلى مطار كابول، على أمل السفر على متن الرحلات الجوية. قال كثيرون: إنهم سيقتلوننا، معربين عن مخاوف يمكن القول إنها كانت مبالغا فيها في كثير من الأحيان”.
وينقل الكاتب أنه مع ذلك، “قرر الكثيرون البقاء، مثل النورستانيون، أو استسلموا لحقيقة أنه ليس لديهم وسيلة معقولة للخروج من البلاد. وواصل بعضهم حياتهم من دون أي انقطاع، على سبيل المثال فتحوا متاجرهم برغم سيطرة طالبان. بقي معظمهم في منازلهم ليروا كيف سيحدث التغيير في السلطة. مع عدم قيام القوات الحكومية بأي قتال ملحوظ وحرص طالبان على إظهار أنفسهم كقوة مسؤولة وليس جزارين بربريين كما يتم تصويرهم في كثير من الأحيان”.
ونقل الكاتب عن امرأة مسنة تبيع الوجبات الخفيفة على جانب الطريق قالت له “أنا سعيدة بوجود طالبان هنا. كل شيء سلمي ويتركون الناس العاديين وشأنهم”.
وقال مارتي “ثم بدأت التقارير حول فظائع طالبان بالظهور. غالبا لم يتم التحقق منها ولكن في بعض الأحيان كانت ذات مصداقية، لكنها أثارت شبحا من ماضٍ أكثر قتامة. العديد من الأشخاص الذين بدوا غير منزعجين في البداية سألوني لاحقا بشكل خاص عما إذا كان بإمكاني المساعدة في الحصول على تأشيرة لهم”.
ـ رسائل هؤلاء، تستدعي التأمل وبالتالي استعادة السؤال:
ما الذي يجعل الأفغان يستسلمون بكل هذه السهولة / البساطة، وحتى القبول بطالبان؟
هو بالتحديد ما يستدعي شجاعة الاعتراف.
إنه الاعتراف بأن فظائع طالبان، ستنسى، ولكن متى:
ـ حين يحكم الفاسدون البلاد.
ليس ثمة مجزرة تساوي مجازر الفساد.