هل يحتاج إسقاط “الملالي” إلى عاصفة صحراء أو ما يشبهها؟
السؤال اليوم، وربما السؤال الواجب طرحه قبل اليوم:
ـ هل يحتاج إسقاط سلطة “الملالي” في طهران إلى عاصفة صحراء؟
قد يقتضي الأمر ذلك، لكن الأهم هو إسقاطه في إيران، وبإرادة الإيرانيين انفسهم، والإيرانيون بالأمس واليوم، ربما أسقطوا شرعية هذا النظام.. أسقطوها بالممارسة اليومية، وبالقطيعة مع هذا النظام.
كيف يحدث ذلك؟
في الوقت الذي تعرضت فيه جماعات الإسلام السياسي في المنطقة للنبذ والعقاب من قِبل الشعوب، في مصر وتونس والمغرب والسودان، وأخيرًا العراق، فإنّ رجال الدين الإيرانيين باتوا أيضًا في الآونة الأخيرة محلّ انتقادات لاذعة واستهداف من قِبل الشعب الإيراني، لدرجة أن خروج المعمَّمين في الشوارع في بعض الأوقات والأماكن أضحى بالغ الخطورة عليهم، وهو ما يدعو إلى محاولة إدراك أسباب ذلك التحوّل في مزاج الشعب الإيراني تجاه رجل الدين، الذي قلّت هيبته وسط العامّة.
يبدو جليًّا أن السبب الأول في نفور الناس من رجال الدين هو تسييسهم للدين وتوظيفه واستغلال شعائره وقدسيته في السياسة والشأن العامّ، فارتأى الناس أنّ بين ما يقوله رجال الدين عن الأخلاق وبين ما يفعلونه في أرض الواقع فجوة كبيرة.
ذاك سبب أول، أما السبب الثاني فهو تبعية الحوزة للولي الفقيه الذي استلب استقلالها التاريخي عن السلطة، كما كانت عليه قبل عام 1979، ووسَّع ولايته لتشمل جميع الفقهاء، لا العامة فقط، فأصبح الفقهاء مُلزَمين اتباع الولي الفقيه واختياراته الفقهية في الشأن العام.
يوجد سبب آخر مُهِم، متعلّق بمحاولة رجال الدين إبقاء الشعب الإيراني خارج نطاق العصر وتطوّراته، وتعمُّد تعميَتِهم عن التفاعلات العالمية، لا سيما في ما يخصّ السياسة والاقتصاد، بانتقادهم الدائم للحداثة والحضارة الغربية، وتحريم كلّ ما هو غربيّ، مما انعكس على أجيال ما بعد الثورة، وتسبب في ردود فعل عنيفة ضد رجال الدين، لا سيما من فئة الشباب والنساء، التي ارتأت أن تلك النخب الدينية لا تعي أمر العصر، ولا فقه الواقع، ويقودون البلاد نحو الهاوية بالحروب الدائمة والصراعات الطائفية ودعم الميليشيات، في الوقت الذي ينهض فيه جيران إيران في تركيا والسعودية والإمارات وقطر والخليج والهند على مستوى الاقتصاد والتعليم والصحة والبنى التحتية، التي حُرم منها الإيرانيون بفعل سياسات الولي الفقيه ورجال الدين.
هذا الغضب الشعبي على رجال الدين تمثَّل في الآونة الأخيرة في ما تداولته وسائل الإعلام عن شاب يصفع رجل دين على وجهه في الطريق العام، واتهم الشاب رجال الدين بتدمير مستقبله، قائلًا: “دمّرتم مستقبلنا.. لا حياة ولا عمل”.
وفي حادثة أخرى هاجمت امرأةٌ رجلَ دين في مدينة قم بعد أن انتقد طريقة لبسها للحجاب، فضربته وأسقطت عمامته أرضًا. وهذا ليس حدثًا عابرًا، بل يبدو أنها ظاهرة آخذة في النموّ، حتى إنّ وزير الداخلية أحمد وحيدي قال في تصريح لافت له: “أعتقد أنه إذا طُعنَت الثورة فسيكون ذلك من قِبل النساء”.
لكن المشكلة الإيرانية في الحقيقة أكبر من مسألة حقوق النساء المسلوبة فقط، فالحوزات ورجال الدين يتعرضون للعنف من الشعب أيضًا، لا سيما في فترات الاحتجاجات والغضب الشعبي، فمنذ فترةٍ هاجم متظاهرون حوزة في مدينة الكرج ورددوا هتافات ضد رجال الدين والولي الفقيه، مثل: “الموت للديكتاتور”، وتعرضت منازل بعض رجال الدين للهجوم من قِبل محتجّين في أوقات متفرقة.
كتب رجل الدين الأصولي الإيراني محمد رضا زايري على «إنستغرام»، أنه تعرَّض للبصق مرة واحدة في الأيام العشرة الماضية، وللإهانة الشديدة مرتين أو ثلاثًا، وأن سائق التاكسي أيضًا أنزله وقال: “لن أُقِلَّ الملالي”. وفي الأيام الأخيرة نُشرت مقاطع فيديو لاشتباك المواطنين مع عدد من رجال الدين.
ودلالات هذا أنّ الشعب يدرك أن المشكلة في رجال الدين وسياستهم ورؤيتهم للأمور، وفي تلك الأحداث رسائل لنظام رئيسي المتشدد أنّ أيّ ضغط على الشعب قد يؤدي إلى انفجار هائل ضد النظام، لا سيما مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة، وعداوة النخب الدينية للغرب.
أيضًا داخل الحوزة نفسها خلاف بين فئة فقيرة من رجال الدين، ترى أنها حُرمت المزايا والمناصب النافذة في مؤسسات الدولة التي تضمن رواتب كبيرة وثابتة، وفئة أخرى استولت على المال والمناصب، مما تسبب في زيادة الخلافات الأسرية في كثير من بيوت طلبة العلوم الدينية ورجال الدين، بسبب الدخل المنخفض والمشكلات المعيشية، حسب رجل الدين فاضل مبيدي.
كل ما سبق، أليس شكلاً ما من أشكال إسقاط هكذا نظام ينتمي إلى كهوف التاريخ؟
نظن :
ـ بلى.. هو الأمر كذلك، والخطوة الأولى تكون، حين يخاطب سائق التاكسي أرباب العمامة بـ:
ـ أغرب عن وجهي.. كفى.