هل ينتشل السبّاح السويسري الغريق اللبناني؟
بلاشك سيضحك اللبنانيون بملئ أفواههم، حينما تأتي أخبار من نوع:
ـ السويسريون يدققون بالاختلاسات المالية وغسيل الأموال في لبنان.
سيضحكون لأن الجرائم في لبنان ستحول إلى “قيدت ضد مجهول” حتى ولو كان المجهول معلومًا ويأخذ مقره على رأس مصرف لبنان المركزي.
بالنتيجة الخبر يقول بأن “المدّعي العام في سويسرا أكّد، أمس، طلبه مساعدة قانونية من السلطات اللبنانية للتحقيق في الاشتباه بقيام مصرف لبنان بعمليات غسل أموال واختلاس”.
رسالة المدعي العام السويسري إلى السلطات اللبنانية لم تنته بـ “اطووا الملف” مع أنها لن تكون سوى كذلك فالطابة حالياً في ملعب السلطات اللبنانية، السياسية والقضائية وهيئة التحقيق الخاصة، التي عليها أن تحسم إن كانت سترفع الغطاء عن الحاكم رياض سلامة، أو تستمر في توفير الحماية له.
الاجابة سهلة:
ـ لا .. الحماية متوفرة من كل الفاسدين، فبالوعة الفساد محمية كما لو كانت هي الأرض والعرض.
حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وشقيقه رجا سلامة، ومُساعدته ماريان الحويّك، «مُشتبه بهم» من قبل السلطات السويسرية، بالقيام بحوالات مصرفية يصل مجموعها إلى نحو 400 مليون دولار. المعلومة سبق ونشرت ، وأكّدها المدّعي العام في سويسرا في بيانٍ أصدره أمس. إذ كشف مكتب المدعي العام أنّه «طلب مساعدة قانونية من السلطات اللبنانية لإجراء تحقيق بعد الاشتباه في قيام مصرف لبنان بعمليات غسل أموال واختلاس». وبحسب البيان، فإنّ التحقيق انطلق عقب “تقارير إعلامية حول التحويلات المالية”، رافضاً الكشف عن تفاصيل إضافية. ونقلت وكالة “أ ب» أنّ التحقيق السويسري بدأ أيضاً «بطلب من الحكومة اللبنانية التي تبحث في خروج مليارات الدولارات من لبنان في الفترة التي تلت منع المصارف التحويلات المالية إلى الخارج”.
التحقيق السويسري لن يتوقّف عند حدود المصرف المركزي، بل سيتعدّاه إلى المؤسسات التابعة له، كبنك التمويل وشركة طيران الشرق الأوسط وبنك إنترا وكازينو لبنان.
وقبل أن تؤكّد السلطات السويسرية هذه المعلومات، كان رياض سلامة قد أدار جوقة المُدافعين عنه (المُنتفعين منه) لبنانياً، من قنوات إعلامية وعدد من المواقع الإلكترونية، مُسوّقاً لوجود “مؤامرة” تُحاك ضدّه، في محاولة لتفريغ الخبر من أهميته. لكنّ النفي أتى بطريقة «ماكرة»، فلم يذكر الحاكم أو «الكومبارس» المُرتبط به طلب سويسرا التحقيق قضائياً في عمليات «المركزي»، بل تجاهله مُصوّباً على أنّه لم يقم (ولا شقيقه ولا مساعدته) بتحويلات مالية إلى الخارج.
وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال، ماري كلود نجم، كانت قد كشفت أمس لوكالة “رويترز” أنّها “تسلّمت طلب تعاون قضائي موجّهاً من السلطات القضائية في سويسرا، وسلّمت الطلب إلى النائب العام التمييزي لإجراء المقتضى”.
كان سلامة قد أصدر بياناً باسم وحدة الإعلام والعلاقات العامة في مصرف لبنان، “يُطمئن” فيه إلى أنّ «كلّ الادعاءات عن تحاويل مالية مزعومة قام بها إلى الخارج، سواء باسمه أو باسم شقيقه أو باسم معاونته، إنّما هي فبركات وأخبار كاذبة لا أساس لها وستكون موضع ملاحقة قضائية بحقّ كل من نشرها وينشرها بقصد التمادي في الإساءة». ولم يصدر ليلاً أي موقف عن الحاكم، يوضح فيه ما إذا كان سيشمل في «ملاحقته القضائية»، النيابة العامة السويسرية أيضاً!
الفريق السياسي الراعي لسلامة، يبحث اليوم عن طريقة لـ«فكّ الحبل» عنه، وستظهر نتيجة جهودهم في المسار القضائي. فبعدما وصلت المراسلة القضائية السويسرية إلى النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، من المفترض أن يُحوّلها إلى هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، كونها قضية اختلاس وتبييض أموال .
عنوان المرحلة اللبنانية المقبلة سيكون زيادة الضغوط… والعقوبات، التي باتت دول أوروبية حاملة رايتها، وتحديداً فرنسا وبريطانيا. ملفّ العقوبات سيأتي بذريعة “مكافحة الفساد”، ولن يكون محصوراً بعقوبات وزارة الخزانة الأميركية و”محاربة الإرهاب”.
كلام المدعي العام السويسري، دعمته «فايننشال تايمز»، فاعتبرت أنّ التحقيق القضائي السويسري يأتي «بعد فترة طويلة من التدقيق في عمل سلامة، الذي أُشيد سابقاً بفطنته المالية، واستقرار الأوضاع المالية في البلد لا سيما من خلال ربط الليرة بالدولار ما خفّض من تكلفة الواردات، فيما يتعرّض اليوم للانتقادات بسبب طريقة إدارته للبنك المركزي». وسرد التقرير القيود المصرفية خلال السنة المنصرمة، وكيف تحوّلت أوضاع الناس المعيشية، ونقل عن “مسؤول في السرايا الحكومية” أنّ حسّان دياب «علم بالتحقيق السويسري أمس من وزيرة العدل». وذكّر بأنّ لبنان بحاجة إلى المساعدة المالية، “لكنّ المانحين، بمن فيهم فرنسا، يريدون أولا التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان”.
الأوربيون جادون بالكشف عن مصير المال اللبناني وكيف تاه وضاع.
هم جادون فعلاً، غير أن الزواريب اللبنانية متاهة لايغرق فيها الأوروبيون فحسب.. هي متاهة كفيلة بإضاعة الكوكب.
الكوكب الذي نرى لبنان على خرائطه وكأنما لن يتوقف عند حريق الميناء.