هل ينجح صديق الأسد بتشكيل الحكومة اللبنانية؟
مرصد مينا – هيئة التحرير
دخل لبنان منعطفاً سياسياً جديداً بعد تكليف رجل الأعمال “نجيب ميقاتي” بتشكيل الحكومة وحصوله على أصوات
كتلة “حزب الله” النيابية التي حجبتها عن رئيس الحكومة السابق “سعد الحريري ” في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الذي اعتذار عن تشكيل الحكومة قبل أسبوعين.
الرئيس المكلف “نجيب ميقاتي” أكد أنّه يريد “تشكيل حكومة تقنية كي يسير بالمبادرة الفرنسية القادرة على مساعدة لبنان”، لافتاً إلى أنّ “هناك ضمانات دولية وأميركية لعدم انهيار لبنان”.
وكانت الحكومة الفرنسية سعت منذ نحو عام أن تنجح مبادرتها التي أطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون في بيروت، ولقبتها بـ”حكومة المهمة” المكونة من اختصاصيين غير حزبيين، إلا أن المبادرة الفرنسية، فشلت بعد أن عجز “مصطفى أديب” من تأليفها، ثم كُلّف سعد الحريري واعتذر بعد نحو 9 أشهر، نتيجة الخلافات بينه وبين رئيس الجمهورية و”حزب الله”.
بين “الأسد” و”حزب الله”..
مصادر سياسية لبنانية كشفت لوسائل الاعلام أن “هناك توجها لتشكيل حكومة لبنانية تضم وزراء اختصاصيين برئاسة نجيب ميقاتي”، لافتة إلى أن “حزب الله الذي سمى ميقاتي في الاستشارات النيابية الملزمة التي أجراها رئيس الجمهورية، سيفرض على عون وصهره رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل تشكيل هذه الحكومة”.
وأكدت المصادر قبل موعد الاستشارات النيابية يوم الاثنين الفائت، أن “ميقاتي أجرى اتصالات مع حزب الله، وتلقى دعم الحزب لمهمته”، كما عبّر الحزب عن دعمه لمهمة ميقاتي بما يؤكد التزامه بأولوية تشكيل الحكومة.
يشار إلى أن تسمية الحزب لـ”ميقاتي”، ليست الأولى، اذ دعمه في المرات الثلاث التي سُمّي فيها لتشكيل الحكومة، وذلك في العام 2005 بعد استقالة حكومة الرئيس عمر كرامي في أعقاب اغتيال رئيس الحكومة الراحل “رفيق الحريري”، وفي العام 2011 في أعقاب استقالة أكثر من ثلث أعضاء حكومة الرئيس “سعد الحريري” أثناء زيارته لواشنطن ولقائه الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، ثم في الاستشارات الحالية.
وعن تسمية “ميقاتي” يرى الكاتب اللبناني “علي أمين”، أنه “لم يكن اختياره في الحكومتين اللتين كلّف بتشكيلهما سابقاً، الا الحل الانقاذي لفريق الممانعة، سواء في حكومة عام 2005 او في حكومة 2011، وهو الاحتياط الاستراتيجي لفريق الممانعة، بفرعيه السوري والإيراني”، لافتاً إلى أن “ميقاتي صديق قديم للرئيس بشار الأسد، وحقّق ثروة مالية ضخمة منذ بدأ مشروع تلفون ميقاتي بعد العام 1990، وكان بطبيعة الحال قريباً من النظام السوري، وشريكاً يمكن ادراك اهمية هذه الشراكة”.
وأشار “أمين” إلى أن “ميقاتي يدخل على الأرجح حلبة رئاسة الحكومة مجدّداً، بعقلية التاجر على ركام الحريري مجدّداً، بحثاً عن صفقة، وهو يدرك بخبرته وحسّه التجاري، ان ثقة الممانعين لا تكفي، ولا بدّ من احتضان غربي وعربي ولو نسبي”، موضحاً أن “حزب الله سماه في محاول الايحاء بأن ميقاتي هو اختيار الحريري الذي لم يعد لديه من العزم ان يقبل او يرفض هدايا الحزب المسمومة”.
التيار الوطني والثلث المعطل..
في المقابل، يبحث “التيّار الوطني الحر”، عن شخصية سنية تكون قادرة على التكيف مع مطالب رئيس الجمهورية وتوصل في نهاية المطاف، إلى نُقطة يمكن لباسيل أن ينطلق منها لتحسين وضعيته خلال الانتخابات النيابية والرئاسية بعدها.
وكشفت وسائل اعلام لبنانية أن “عقبتين أساسيتين لا تزالان تعترضان التأليف، ولا يمكن تجاوزهما في حال استمر رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في مطالبته بحقيبة الداخلية والثلث المعطل”.
بدوره، أعلن رئيس التيار الوطني الحر في لبنان “جبران باسيل” عدم مشاركته في حكومة “نجيب ميقاتي” وبالتالي عدم التدخل اطلاقا في عملية التأليف وهذا يمكن ان يكون عنصرا مساعدا”، مؤكداً أن “ميقاتي تم تكليفه بغير تسمية من التيار الوطني، وبالتالي هذا دليل على أننا لسنا الأكثرية في المجلس النيابي ولا في الحكومة”، موضحاً أن “تكليف ميقاتي يحتم على التيار أن يكون في موقع المساعد، ولن يكونوا في موقع التعويق”.
بينما يشير أمين سر تكتل “الجمهورية القوية” النائب السابق “فادي كرم”، إلى أن “المحاولة الجديدة مع السلطة الموجودة، ستبوء بالفشل ولن ينتج عنها أي إيجابية، ومن يُراهن على أن الرئيس ميشال عون وحزب الله قد رفعوا العشرة أمام الأزمات الحاصلة وأنهم يسعون بجديّة لإنقاذ ما تبقّى من فترة حكمهم سواء من خلال وزارة الطاقة أو الوضع الاقتصادي والدخول في أجواء الانتخابات المُقبلة، هو رهان خاطئ وليس في مكانه لأنهم سيخسرون السلطة التي تنبع دائماً من زبائنايتهم ووضع يدهم على الملفات وعدم التعامل معها من مُنطلق إصلاحي بل انتخابي وانتهازي.”
ويرجح مراقبون أن “يبقى فريق عون متمسكا بحقيبة الداخلية، لأنها ستكون موكلة بالإشراف على الانتخابات، وتوسع نطاق إدارتها الأمنية لشؤون البلاد، بالإضافة إلى أنه سيتمسك بوزارة العدل، لأنها ستتابع ملفات الفساد، ومن بينها ملف التدقيق الجنائي بحسابات المركزي، والتحقيقات بانفجار مرفأ بيروت”.
حكومة اختصاصية..
وقالت وسائل اعلام لبنانية إن “ميقاتي” حمل إلى “عون “في لقائهما بعد انتهاء مشاروات التأليف النيابية أمس الثلاثاء، تصوراً أولياً لشكل الحكومة، تضمّن توزيعاً للحقائب حسب التصنيف المعتمد على مختلف المذاهب وتشمل:
– حكومة من 24 وزيراً (ولم تتأكّد المعلومات عن وجود 6 وزراء دولة فيها ووزراء بـ 18 حقيبة بعد دمج وزارات الدولة التي أُحدثت في اوقات متفاوتة بطريقة لم تعط الإنتاجية المقصودة منها).
– أُبقيت حقيبة وزارة المال من حصّة الطائفة الشيعية من دون أي اشارة لمرة واحدة أو لأي سبب آخر.
– وزراء اختصاصيون مع الاحتفاظ بأهمية احترام المواصفات التي تبعد التصنيف السياسي او الحزبي للوزراء .
– توزيع حقائب الوزارات الأمنية بين جميع الأطياف. فحقيبتا وزارتي الداخلية والعدل مثلاً لن تكونا من طيف او فئة واحدة بمعزل عن التوزيعة المذهبية للوزيرين.
– تحاشي الحديث عن حصص وزارية لهذا المرجع او ذاك، والتشديد على مبدأ “الشراكة”، وأن لا تُؤلف الحكومة الّا بالتشاور بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف تأليفها، وتسمية الوزراء المسيحيين والمسلمين لا تتمّ سوى بالشراكة بينهما.
كما لفتت المصادر إلى أن “مواصفات ميقاتي تلتزم الى حد بعيد المواصفات التي تحدثت عنها المبادرة الفرنسية لجهة الاختصاص وإبعاد منطق الحصص السياسية والحزبية عن الحقائب الانتاجية والخدماتية، ولا سيما تلك التي تتولى قطاعات إنتاجية كبرى كالطاقة والاتصالات والاشغال، وكذلك تلك التي تعنى بشؤون المساعدات الدولية والأممية عند فتح باب هذه المساعدات والقروض الممنوحة من مختلف الهيئات الدولية وتلك التابعة للدول والمؤسسات المانحة.
المكلف والإثراء غير المشروع..
يذكر أن “نجيب ميقاتي” نال لقب ثالث رئيس مكلف لتشكيل حكومة لبنانية، بعد استقالة حكومة “حسان دياب” في أغسطس/آب من العام الماضي، وانتهت الاستشارات البرلمانية الإلزامية التي أجراها رئيس الجمهورية ميشال عون، أمس الاثنين، بتكليف ميقاتي بـ72 صوتا مقابل 42 نائبا لم يصوتوا لأحد، وصوت واحد للدبلوماسي “نواف سلام،” فيما تغيب 3 نواب عن الاستشارات.
و”ميقاتي” (65 عاما)، رجل أعمال وملياردير من كبار أثرياء العالم، وتقدر مجلة فوربس ثروته بـ2.7 مليار دولار، يأتي من طرابلس شمالي البلاد التي يعيش معظم أبنائها فقرا مدقعا، ويعد زعيما سياسيا للمدينة ذات الغالبية السنية، وتصدر فيها بانتخابات 2018، المرتبة الأولى بنيله 21 ألف صوت تفضيلي، بعد منافسة شديدة بين لائحته ولائحة الحريري شمالا. كما ترأس ميقاتي حكومتين في 2005 و2011، ووصفت الأخيرة بحكومة اللون الواحد التي طغى عليها نفوذ حزب الله.
كما تحوم حول الرجل الذي يوصف بالوسطية والاعتدال، شبهات الفساد بملفات قضائية عدة، كـ”الإثراء غير المشروع”، وملف القروض السكنية، وفي يوليو/تموز 2018، أفادت وسائل إعلام لبنانية بوجود وثائق تبين حصول متمولين على قروض من بنوك مدعومة من البنك المركزي اللبناني بملايين الدولارات على أنها قروض إسكانية، وكان من بين هؤلاء المتمولين ميقاتي الذي حصل بين عامي 2010 و2013 على 9 قروض منحها له بنك “عودة”.
وأصدر الادعاء اللبناني في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2019، قرارا اتهم فيه ميقاتي وابنه وشقيقه وآخرين “بالإثراء غير المشروع” بسبب حصولهم على قروض سكنية مدعومة، وهو ما نفاه ميقاتي واعتبره “جزءا من الضغط المستمر عليه”، معبرا عن استعداده لرفع السرية المصرفية عن كل حساباته، ولكن لم تصدر أية إدانة قضائية بحق ميقاتي وتم حفظ التحقيقات في الدعوى.
وأسس “ميقاتي” في أوائل الثمانينيات بتأسيس شركة “إنفست كوم” (Investing.com) العائلية، والتي تنشط في قطاع الاستثمار والاتصالات والبنوك والعقار والنقل الجوي والأزياء، وأصبحت الشركة رائدة في عالم الاتصالات في الأسواق الناشئة بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.