هل يوشك عصر ما بعد الدولار أن يبدأ؟

مرصد مينا
في مشهد اقتصادي يشهد تحولات جذرية، يواجه الدولار الأميركي، الذي ظل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية العملة الأكثر قوة وتأثيراً في العالم، أزمة قد تعيد رسم ملامح النظام المالي العالمي.
ففي النصف الأول من عام 2025، شهد مؤشر الدولار تراجعاً حاداً بنسبة تقارب 11%، وهو أكبر انخفاض منذ خمسين عاماً بينما شهد المؤشر العام للعملة تراجعاً يقترب من 8 بالمئة في أسبوعين فقط، مما أثار مخاوف واسعة بين الاقتصاديين وصناع القرار.
ويقول جو يرق، رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets أن مؤشرات البنوك الكبرى توحي بإمكانية استمرار هذا المسار، حيث “ترى مؤسسات مثل جي بي مورغان ومورغان ستانلي أن الدولار قد يتراجع بين 5 بالمئة و10 بالمئة إضافية خلال 12 شهراً”، مما يسلّط الضوء على حجم القلق المتنامي في السوق.
ويرى الخبراء أن هذا التراجع ليس مجرد تصحيح تقني عابر، بل يعكس تحولات هيكلية عميقة في مكانة الدولار. فقد أدت مجموعة من العوامل المتشابكة إلى تآكل ثقة السوق في العملة الأميركية، بدءاً من الارتفاع الكبير في الدين العام الأميركي الذي تجاوز 37 تريليون دولار، مروراً بالتوترات السياسية بين البيت الأبيض والاحتياطي الفيدرالي، ووصولاً إلى التغيرات الاستراتيجية في سياسات البنوك المركزية العالمية.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب، سعى في عدة مناسبات إلى إضعاف الدولار عمداً لتعزيز الصادرات وتحسين الميزان التجاري، في حين يناضل رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول للحفاظ على استقرار العملة ومحاربة التضخم، مما أدى إلى توترات داخلية انعكست سلبًا على الدولار.
الدين العام يشكل عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد، حيث زاد بشكل كبير في السنوات الأخيرة نتيجة إجراءات التحفيز الضريبية وبرامج الدعم، مما دفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى ما يقارب 100%، وهو مستوى غير مسبوق في الاقتصاد الأميركي.
على الصعيد الدولي، بدأت العديد من البنوك المركزية الكبرى، لا سيما الصين والهند والبرازيل، تنوع احتياطاتها بعيداً عن الدولار، مع زيادة حصة الذهب والعملات الأخرى كاليوان واليورو. ويعتبر ذلك مؤشراً على تحول عالمي نحو نظام مالي أكثر تعددية.
السياسات الأميركية في استخدام الدولار كأداة للعقوبات الاقتصادية ضد دول مثل روسيا والصين وإيران أدت إلى نتائج عكسية، حيث دفعت هذه الدول إلى البحث عن بدائل لنظام الدولار المالي، مما قلل من جاذبية العملة الأميركية كملاذ آمن.
رغم هذه التحديات، لا يتوقع المحللون انهياراً كاملاً للدولار، بل ضعفاً تدريجياً في قوته، خصوصاً مع استمرار الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد عالمي وبقاء سوقها الاستثماري جذاباً.
في ظل هذه الظروف، يتجه العالم نحو نظام مالي متعدد العملات والملاذات، حيث يبرز الذهب واليوان الصيني واليورو كخيارات متزايدة الأهمية.
وبالنسبة للدول العربية ودول الخليج التي ترتبط عملاتها بالدولار، بات تفكر في استراتيجيات تنويع الاحتياطيات وتعزيز الاستقلال النقدي.
ويبقى السؤال: هل فعلاً بدأ العالم عصر ما بعد الدولار، أم أن الولايات المتحدة ما زالت تحتفظ بزمام الأمور وتستطيع إدارة التحديات الجديدة للحفاظ على هيمنتها المالية؟