fbpx

وساطات خارجية وانقسامات داخلية.. من يخترق جدار الأزمة السودانية؟

مرصد مينا- هيئة التحرير

تتزايد حدة الأزمة السياسية في السودان مع تعثر المحادثات بين الجيش وتحالف قوى الحرية والتغيير الذي يدعو إلى عودة رئيس الوزراء، “عبد الله حمدوك” وحكومته، لمزاولة أعمالهم الرسمية، وسط دعوات للاستمرار في التظاهرات لإسقاط القرارات “الانقلابية” التي اتخذها القائد العام للجيش، “عبد الفتاح البرهان” في الخامس والعشرين من تشرين الأول الماضي.

وبينما يرى مراقبون أن الوضع في السودان يتسم بالضبابية، معتبرين أن احتمالات التوصل إلى تسوية بين العسكر والمدنيين بعيدة، ما يهدد باستمرار النزاع وتفاقمه في ظل تمترس واصطفاف سياسي غير مسبوق، يرجح أخرون أن تصريح المجلس السيادي بالإفراج عن المعتقلين جاء كنوع من الاستجابة للضغوطات أو الوساطة الأمريكية خاصة بعد زيارة مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للخرطوم، وكمحاولة لتليين المواقف الدولية بعد إجراءات الجيش الأخيرة.

يشار إلى أن الفريق أول “عبد الفتاح البرهان”، رئيس مجلس السيادة السوداني، أكد أمس الثلاثاء، تمسك المكون العسكري في المجلس بالوثيقة الدستورية وبإجراء حوار شامل مع كل القوى السياسية لاستكمال هياكل السلطة الانتقالية.

وبشأن المعتقلين السياسيين قال “البرهان” إن خطوات إطلاق سراحهم قد بدأت بالفعل، وأن “أي معتقل لا تثبت عليه تهمة جنائية سيتم إطلاق سراحه”.

امتصاص غضب الشارع

في سياق تعليقه على تصريحات “البرهان”، يتوقع “عثمان الميرغني” رئيس تحرير صحيفة التيار السودانية، أن يتم إطلاق سراح جميع الوزراء والدكتور “عبدالله حمدوك” كذلك، مشيرا إلى أنه يبدو أن هناك بعض المسؤولين الآخرين بدرجات أدنى ستفتح أمامهم بلاغات جنائية لا علاقة لها بالعمل السياسي وسوف يبقون في الحبس فترة أطول.

ويرى “الميرغني” أن هذه الخطوة ستساعد كثيرا في تليين المواقف الدولية والبيانات الصادرة دوليا وإقليميا بالتلويح بمزيد من العقوبات على السودان في حال استمرار الأوضاع كما هي، خاصة إن تم إطلاق سراح المعتقلين مع الإفراج عن “حمدوك”، متسائلا إن كان سيعود إلى مكتبه أم لا.

يشار إلى أن “مالك عقار”، العضو بمجلس السيادة السوداني الحاكم كان قد قال إنه سيتم إطلاق سراح رئيس الوزراء “عبد الله حمدوك” والمعتقلين الآخرين خلال يوم أو يومين.

ويخضع حمدوك للإقامة الجبرية في منزله تحت حراسة مشددة منذ استيلاء الجيش على السلطة الشهر الماضي.

المحلل السياسي “خالد الرابح”، لا يتفق مع ما جاء به “الميرغني”، معتبرا أن تصريحات “البرهان” و “عقار”، مجرد محاولات لامتصاص غضب الشارع السوداني، وتليين المواقف الدولية وتفادي فرض عقوبات على السودان.

ويؤكد “الرابح” أن الجيش لن يتخلى عن السلطة في ظل هذه الظروف وسوف يمضي نحو تشكيل حكومة من شخصيات من غير المنتمين لتنظيمات سياسية والعمل على تطمين الأحزاب السياسية عبر تشكيل مفوضيات التعداد السكاني وتوفير الحريات السياسية تمهيدا لإجراء انتخابات عامة في الموعد المحدد في الوثيقة الدستورية عام 2023.

لكن هذا السيناريو، بحسب “الرابح” مرهون بمدى قبول أو رفض القوى السياسية المستبعدة من الحكومة الانتقالية وغيرهم من الذين يتهمون الجيش بطموحات الانفراد بالحكم، كما أن هذا السيناريو مرتبط بقدرة قوى الحرية والتغيير على إعادة الزخم الثوري إلى الشارع الذي يمثل الشباب فيه العنصر الرئيسي.

بالإضافة إلى ذلك، يشدد المحلل السياسي على أن الجيش يتمسك بموقفه بحل الحكومة الانتقالية وعدم العودة إلى ما قبل 25 أكتوبر الماضي، وأن القائد العام للجيش ومستشاريه العسكريين يقومون بإجراء مشاورات واسعة في هذا الصدد مع القوى السياسية التي كونت تحالفا موازيا لقوى الحرية والتغيير إضافة إلى قوى اجتماعية وجهوية من بينها المجلس الذي يرأسه الزعيم القبلي محمد الأمين ترك في شرق السودان.

ويتهم الجيش تحالف قوى الحرية والتغيير والأحزاب التي مثلت الحكومة الانتقالية في الفترة السابقة بأنها قوى صغيرة، تجاهلت تنفيذ بنود الوثيقة الدستورية التي نشأ على أساسها الحكومة الانتقالية عام 2019، إلى جانب الهجوم الذي تشنه هذه القوى على المؤسسة العسكرية والإضرار بسمعتها ما يضع أمن البلاد في خطر.

وساطات شكلية

تتواصل محاولات إنقاذ المرحلة الانتقالية في السودان، على خطوط الوساطات المتعددة، إذ عادت واشنطن مجددا إلى خط الأزمة، مع اللقاءات التي تجريها مساعدة وزير الخارجية للشؤون الإفريقية، “مولي في”، في الخرطوم.

“مولي في” التقت رئيس مجلس السيادة “عبدالفتاح البرهان”، ووزراء من حكومة “حمدوك” ووفود أخرى، في محاولة للتقريب بين الأطراف، مع طول أمد الأزمة وهو ما أجبر الإدارة الأمريكية التي لم تكن في نيتها الدخول على خط الأزمة لولا مخاوف تتعلق بطول أمد الأزمة وتداعيات ذلك على أمن واستقرار المنطقة، حسبما يرى مراقبون.

وفي نفس التوقيت دخل الاتحاد الأوروبي في مساعي وساطة في السودان، حيث أعلنت مفوضية الاتحاد أنها ستوفد مبعوثا إلى الخرطوم خلال الأيام القليلة المقبلة لتشجيع الأطراف على التوصل إلى حل سياسي.

جهود مماثلة قامت بها جنوب السودان والجامعة العربية والأمم المتحدة، كما أجرى وفد الترويكا الأوروبية لقاءات مع أطراف الأزمة السودانية، وترمي هذه الجهود لتقريب موقف المكونين العسكري والمدني والعودة للحوار بعد الأزمة التي تفجرت في أعقاب قرارات البرهان.

تستبعد المحللة السياسية السودانية، “نوران الصاوي”، أن تتمكن الوساطات الخارجية من حل الأزمة في السودان، مشيرة إلى أنها لم تلمس اختراقاً واضحاً قامت به واشنطن لفك الجمود، فيما يتمسك كل طرف بموقفه، ما يعني بحسبها أن أي جهة أخرى أيضا لن تستطيع التأثير.

ولا تخفي “الصاوي” تشاؤمها بفشل كافة الوساطات الخارجية، لأنه أصبح من الواضح أن القضية تدور في اتجاهين، فالأميركيون والأوروبيون يطالبون بالعودة إلى ما قبل 25 أكتوبر الماضي، فيما يؤكد المكون العسكري أنه ملتزم بالوثيقة الدستورية والتحول الديمقراطي، وهو حديث مكرر من دون أن تكون هناك خطوة عملية لحسم هذه الأزمة.

وترى “الصاوي” أن الجانب الأميركي يهمه أن يؤكد موقفه، وأن الحل لديه يتمثل في ممارسة الضغط إلى أقصى حد حتى تحدث تنازلات من الجانبين العسكري والمدني، مشيرة إلى أن تراجع العسكريين عن قرارات 25 أكتوبر يضعف موقفهم إلى أبعد حد، بخاصة أنه ليس لديهم سند جماهيري في الشارع، وليس بمقدورهم تحريك أعداد كبيرة لتأييد إجراءاتهم، ما يعني أنه من الصعب جدا توقع أي خطوة تنازل من قبل المجلس السيادي.

يشار إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، تمارس تصعيداً تدريجياً ضد المكون العسكري في السودان، منذ الإطاحة بالمكون المدني في 25 أكتوبر الماضي، إذ جمّدت واشنطن 700 مليون دولار كانت جزءاً من خطة أمريكية لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان، كما لوح المبعوث الأمريكي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان، بمزيد من الضغوط.

وقال فيلتمان أكثر من مرة إن الدول التي تدعم البرهان في المنطقة (لم يذكرها)، لن تستطيع توفير مساعدات يحتاجها الاقتصاد السوداني بقوة.

وحالياً، تعمل الولايات المتحدة وبريطانيا على إعداد مشروع قرار يدين السودان، في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، نحو التراجع عن قراراته.

خلافات داخل القوى المدنية

يقول مراقبون أن أزمة السودان تتفاقم ليس فقط بين المكونين العسكري والمدني، بل أيضاً بين أفرقاء المكون المدني نفسه، فالخلافات تتصاعد بين قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين الذي هاجم المجلس المركزي للحرية والتغيير، واعتبر أنه انفصل بالكامل عن الواقع وعن نبض الشارع.

ويرجع المراقبون هذه الخلافات إلى غياب الرؤية وغياب الإرادة السياسية، وأن الخلافات داخل المكون المدني كانت سببا رئيسيا في تعقيد المشهد السياسي خلال الفترة الانتقالية، وأن ما يجمع بينها كان غير واضح المعالم في ظل عدم وجود مشروع سياسي محدد وبالتالي التقديرات السياسية لكل موكن كان يؤثر عليها.

بدوره، يعلل الباحث في الشأن السوداني، “عبد الحفيظ وجدان”، الانقسامات داخل التيار المدني بغياب القيادة الهرمية لهذا التجمع الذي يضم أطيافا واسعة ومتنوعة، فالجميع يجلس على طاولة حوار واحدة، لكنها تفتقد للرئيس الذي يقرر والتصويت على قرار واحد موحدا ليكون موقفا موحدا لكل هذه القوى.

ويضيف وجدان “يؤخذ أيضا على التجمع كثرة البيانات والإعلانات الإعلامية أكثر من العمل الجبهوي الموحد الذي يوحد الرؤى، وهو ما يفسره موقف تيارا معينا بأن الموقف المعين لا يمثله لأن وحدة القرار منعدمة وكذلك الإرادة السياسية، وبالتالي فالخلافات الحلية واقعية جدا.

هذه الخلافات بحسب مراقبين أفضت بالنهاية إلى وجود تيارين، الأول المجلس المركزي للحرية والتغيير الذي يتبنى تشكيل تيارا معارضا لقرارات رئيس المجلس السيادي، وتيارا آخر هو ميثاق التوافق الوطني. محاولة التيار الأول فرض السيطرة والإرادة تجاوزت المكونات المدنية إلى الدخول في خلافات مع المكون العسكري الذي ألقى بظلاله بالنهاية على المشهد السياسي في البلاد والدخول في النفق المظلم الذي تحاول أطراف الأزمة الخروج منها.

قوى الحرية والتغيير التي تضم مكونات سياسية مختلفة من ضمنها تجمع المهنيين تعاني من التشظي في ظل اتهامات متبادلة بينها وبين الأحزاب المنطوية تحت لوائها.

الخلاف بين تجمع المهنيين والمجلس المركزي هذه المرة من الواضح أنه وصل إلى مرحل “الطلاق” الذي لا عودة بعده خاصة بعد أن دعا التجمع إلى تكوين جبهة ثورية واسعة في ظل تصاعد رفضه للقرارات التي اتخذها المكون العسكري مؤخرا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى