وقد باتت مصائرنا بيد “دونالد ترامب”

زاوية مينا
ولا معضلة لها أيّ جواب، هذا هو حال العالم اليوم، دون نسيان أن ثمة ثلاثة عناوين لابد وتكون منصات إطلاق عالم جديد مختلف عن العالم القديم.. مختلف بقواه، وفعالياته، وبما قد يسوق العالم إليه.
ـ أول المعضلات تتثمل في مآلات غزة، وما ستكون عليه أحوال ناسها، فهل ستكون “ريفييرا فلسطينية” أم “ريفييرا إسرائيلية” أم ستكون مقبرة أحياء.
ـ وثاني المعضلات هي المعضلة السورية، واحتمالاتها لاتًحدّ، فالنيران تشتعل على خاصرتيها، وثمة من يوقد النيران.
وثالث تلك المعضلات لابد المعضلة الأوكرانية، وعي المعضلة ربما التي سيتحدد بناء على مآلاتها مصير هذا الكوكب، ربما لأيام طويلة قادمة، ودون شك فقد باتت مفاتيحا بيد رجل واحد، منحدر من مهاجر الماني لجد اشتغل بالبغاء، ونعني هنا “دونالد ترامب”.
ماحال أوكرنيا فيما تداعت اليه؟
بداياتها وكانت مفاتيح البيت في يد جو بايدن، ومعه وقفت معظم دول الاتحاد الأوروبي ضد روسيا، ولم تتردد في تقديم أقصى ما أمكنها من دعم عسكري واقتصادي لأوكرانيا، عقب نشوب الحرب في فبراير 2022.
فعلت أوروبا ذلك ربما لمصلحة مباشرة تعود إلى تقدير النُخب السياسية فيها لما تعتبره تهديداً روسياً، ودون شك فللألمان عقدتهم الروسيا.. ثمة فوبيا ألمانية من روسيا موروثة عبر التاريخ.
وقفت أوروبا مع أوكرانيا وناصرتها ولكن دون أن تدعم سعي أوكرانيا للانضمام إلى حلف «الناتو» ودون دفع أمريكي مباشر وعندما شاركت الولايات المتحدة رفضها تقديم ضمانات أمنية طلبتها روسيا في نهاية 2021، ردت موسكو بشن الحرب على أوكرانيا لأسباب اعتبرتها دفاعية.
يومها قامت أكثر الدول الأوروبية بتعبئة موارد عسكرية واقتصادية ودبلوماسية هائلة لدعم أوكرانيا، وتحملت الآثار الناتجة عن فرضها حزم عقوبات متوالية ضد روسيا.
لم يفكر أي من القادة الأوروبيين في الورطة التي يمكن أن تنتج عن تغير يمكن أن يحدث في السياسة الأميركية، بما يعني لم يفكروا بما ستؤول اليهم الأحوال ما بعد عودة دونالد ترامب إلى رئاسة الأمريكان، ولم يستعدوا بالتالي لأداء دورٍ في تحقيق السلام حين تتغير السياسة الأميركية، رغم أن هذا التغير لم يكن مجرد افتراض نظري، بل كان احتمالاً قائماً.
وصار هذا الاحتمال أكبر، وأخذ يكبر يوماً بعد يوم في المرحلة الأخيرة للانتخابات الأميركية، ثم اقترب من التحقق عندما أُعلن فوز دونالد ترامب، وأعاد تأكيد أنه سيعمل لوقف الحرب، بل وضع هذا الهدف ضمن أولوياته.
وهكذا، بات على الأوروبيين إما متابعة الحرب الخاسرة، وإما الإذعان لدونالد ترامب، وكان هناك شهران ونصف الشهر بين إعلان فوزه، ويوم تنصيبه.
ومع ذلك لم يتحرك أحد في أوروبا بطريقة تتيح امتلاك زمام المبادرة في عملية التحول من الحرب إلى السلام. ولم تكن هناك طريقة لذلك إلا الإسراع لطرح مشروع أو خطة لوقف الحرب قبل أن يباشر ترامب مهام منصبه، أو في أيامه الأولى في البيت الأبيض.
انتظر الأوروبيون إلى أن بدأ هو في التحرك، وربما فوجئوا بأن إيقاعه السريع يفوق قدرتهم على استيعاب ما يجري والتكيف معه. لم تمض 3 أسابيع على تنصيبه حتى أخذ الخطوة الأولى، فكان الاتصال الهاتفي مع الرئيس بوتين في 12 فبراير، حيث اتفق الرئيسان على بدء محادثات تقود إلى قمة تجمعهما.
وأسفرت الجولة الأولى من تلك المحادثات في الرياض عن تحوّل في مسار العلاقات الأميركية-الروسية عموماً، وليس في التعامل مع حرب أوكرانيا فقط، ولم يَحلْ الاضطراب الذي شاب محادثات زيلينسكي في البيت الأبيض في 28 فبراير دون مواصلة ترامب وفريقه العمل لإنهاء الحرب.
حدث هذا كله، ويحدث، في غياب أوروبا التي تحاول اللحاق بقطار سريع تحرك من دونها.
ولكن هذه المحاولة يشوبها ارتباك تجلى في اجتماع المجلس الأوروبي في بروكسل في 6 مارس الجاري. يدل البيان الصادر عن هذا الاجتماع، بالأغلبية وليس بالإجماع، على أن الأوروبيين يحاولون التحرك إلى الأمام.
ولكن اهتمامهم الذي يتركز في تعزيز قدرات أوكرانيا العسكرية يشدهم إلى الوراء، ويقلل قدرتهم على المشاركة في صنع السلام، وربما يقود لاستمرار ورطتهم في أوكرانيا. فهل تستطيع أوروبا الخلاص من هذه الورطة؟ سؤال لا يوجد جوابه إلا لدى قادة الاتحاد الأوروبي.
الأوربيون الآن ابتلعوا السكين، والعالم معهم ينتظر بلعهم له، أو طرحه منهم، وفي الحالين سيكون السكين جارحاً، وفي الحالين باتت أوروبا، ليست القارة العجوز، بل القارة التي تمشي على كرسي مدولب في الطريق إلى بيت العجزة دون أن تلعب في أي من الأمكنة بما فيها ملاعب الشرق الأدنى كما الحال في سوريا أو فلسطين.
ـ كل المصائر بيد الأمريكان.. السام بيدها كما توليع الجبهات.
كل المصائر بيدها وليس ثمة من ينتظر سواها على مفارق الأزمات.