fbpx
أخر الأخبار

وقد شق لبنان طريقه إلى الخلاص

نبيل الملحم

شقّت سوريا طريق (التكويع)، وقد بات مصطلحاً معمولاً لتتلقفه بيروت، أما عن التكويع السوري فقد حمله أزلام ومحاسيب وشبيحة بشار الأسد ما بعد سقوطه حتى تناغمت لغتهم مع لغة ضحاياه راكلين تاريخهم بأحذيتهم بعد أن ركلتهم الوقائع بحذائها، فيما تكويعات اللبنانيين، فقد تظهّرت مرتين:

ـ مرة بانتخاب جوزيف عون، ومن بعد الفوز، التصفيق لخطاب الرئاسة الذي يعني إلقاء حزب الله بخطابه وهيمنته إلى هامش اللغات.


وثانية بوصول نواف سلام إلى سدّة رئاسة الحكومة، والتي تعني فيما تعنيه رسم لبنان من جديد، أقلّه على مستويي الاقتصاد والسياسات الخارجية.

وكلاهما سيكونان على الجهة المعاكسة لحزب الله وقد رفعت قبضته عن لبنان بعد أربعة عقود من الهيمنة والفظائع التي تبدأ بابتسامات محمد رعد ولا تنتهي بالاغتيال السياسي والمعنوي للخصوم.

اللبنانيون عبر نوابهم، أعادوا مرة وثانية وعاشرة خطاب الاستيعاب، فالكل متوافق على صيغة “التعايش” مع حزب الله دون نعته بالحزب المهزوم، والكل ذهب بعيداً في مداراة جرح حزب الله، والكل دعاه ليكون جزءاً من لبنان الوطن لا لبنان طهران.

في الوقائع، لم يتبق لحزب الله سوى خطاب ركيك يطلقه نعيم القاسم، فسلاح الحزب ذهب مع مغامرة الحرب، وتمويلات الحزب كذلك ما بعد تخلي إيران الخاسر عن حزبها الخاسر، والمدى الحيوي الذي اشتغل عليه حزب الله مستثمراً ببشار الأسد، أغلق ما بعد إغلاق طريق الشام بمواجهة حزب الله بعد أن طردت الشام بشار الأسد حتى بات (المخلوع) الباحث بلا كرامة عن من تستقبله من العواصم وقد تحوّل إلى عبئ على الحليف الروسي، وكارثة على كل من صفّق له أو شاركه الفساد والكبتاغون.

وفي الصيغة اللبنانية فقد انتقلت الرياح إلى لبنان، ليتحرر ما بعد تحرير الشام، فالخطاب الرئاسي اللبناني الذي حكى عن اجتثاث الفساد واستعادة المال المنهوب، حكى كذلك عن وحدة السلاح تحت ظلال الدولة الوليدة، بعد أن كان تحت هيمنة الدويلة اللقيطة، وهذا يعني فيما يعنيه نزع سلاح حزب الله، بما يعني نزع هيمنة الحزب، مع التذكير على الدوام، بأن الحامل الشعبي لحزب الله قد اهتز بما لم يعد لهذا الحامل أن يحمل حزباً كل ما تسبب به، دمار العمارة، وتجويع الأنصار، وفتح فوهات المقابر لناس الحزب وجمهور الحزب، وهؤلاء كما كل البشر، يعرفون معنى الأحزان، ويلقون برؤوسهم على أكتاف الجرحى والمصابين، وهم لبنانيون، انحدروا من حقائق جبل عامل بما حمل من تراث أخلاقي وأدبي وفلسفي، وبما كان لهم في لبنان من حضور خلاّق سمح فيما سمح، بإنتاج منارات لبنانية لم تقتصر على مهدي عامل وحسين مروة والإمام موسى الصدر والمفكّر الاستثنائي هاني فحص، وبالنتيجة باتوا يدركون اليوم، المصير المعتم الذي خطفهم إليه حزب الله، وبإذعان منقوص من حركة أمل ونبيه بري، كما بتقاسم وظيفي مع ميشال عون وصهره جبران باسيل، فيما جاءت المتغيرات لتقول:

ـ كفى.

مع “كفى ” هذه كان لابد من “التكويع” وقد اتضح بكامل الجلاء والوضوح لحظة قبل التيار بنواف سلام، ولحظة أُسقط نجيب ميقاتي من الحساب، ولم يتبق لمحمد رعد سوى الهزيمة المغطاة بخطاب الصلافة الذي يعترف ولكن بلغة الإنكار.

نواف سلام؟

نعم نواف سلام، المفكّر، والكاتب، والصحفي الممارس تحت إدارة غسان تويني، ونواف سلام الرجل الأبرز في محكمة العدل الدولية، ونواف سلام الذي لم تشب مسيرته شائبة لا من شوائب السياسة ولا من شوائب المال، وهاهو اليوم في الموقع الذي سمح للرجل باستعادة كرامة الحكومة التي طالما بددتها سطوة حزب الله.

اللبنانيون، وعبر نوابهم وفيما يشبه الإجماع، أطلقوا أصواتهم بتأييد الرجل، ولم يتبق أمامه في الغد القريب سوى تشكيل حكومته.

حكومة إن لم يتسن لها انتشال لبنان من المديونية واللصوص، فأقلّه سترسم طريقاً نحو الخلاص.

ـ طريق الخلاص يبدأ بالخلاص ممن وضع أكداساً من الجثث إعاقة لطريق الخلاص.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى