يوم لايرن جرس هاتف الرئيس
أنظمة تستغرق في انتاج السخرية، السخرية منها، كما لو كان مافيها من مسخرة لايكفي، وقد يكون نظام دمشق من أكثر الأنظمة إنتاجًا للسخرية بعد أن كان من أكثرها إنتاجًا للمآسي وقد طالت الحياة والوجود وحياة الناس، ومن آخر منتجاته تلك الاحنفالات التي لايمكن فهمها بقدوم المغني هاني شاكر ليغني في دمشق.
أن يغني مطرب في مدينة فهذا أمر طيب، أما أن تتحول زيارته إلى إنجاز وطني فلهذا أكثر من معنى في دولة أكلتها العزلة، فلا اتصالات دولية تقرع بوابتها، ولا شخصيات عالمية كبرى تزورها، وكل ماعلى رئيسها أن يحاضر في شرح العناوين الفلسفية بين طلبة صغار، فلا هو بالرئيس ولا هو بالفيلسوف، ومع الفلسفة هذه تتحول المفاهيم إلى نكتة والفلسفة إلى مادة للإضحاك، وكل مابقي من البلد تحت وطأة العزلة، هو اختراع مايكسر هذه العزلة بإحداث كوميديات لاتضحك وقد يكون لنقابة الفنانين دورًا في هذه الكوميديا، ومن أمثلتها جمع مطربي البلد للتوقيع على تعهد يلزمهم بالتوقف عن إطلاق الأغاني “الهابطة” كما لو أن نقيبهم حارس للفضيلة، فيما يقبع فناونون في سجون النظام دون أن تسأل نقابتهم مجرد سؤال عن مصائرهم.
نظام بات حائرًا في كيفية الإعلان عن نفسه، والتأكيد على وجوده، مرةّ بالقمع الدموي، وثانية بالنكات المضحكة، وفي كلا الحالين سيبقى نظامًا معزولاً كل مابوسعه لتدارك عزلته المشي وراء الرئيس الروسي الزائر حتى ليبدو الرئيس المزار واحدًا من مرافقة وحماية الزائر، لا مضيفًا يوازي الزائر ويساوية في الموقع والسلطة، وحين سيوسع الدائرة أكثر يلتقي بمبعوث إيراني يعطي الأوامر، فيتحول حارس الثورة الإيرانية إلى معلّم لحارس الفضيلة السوري، وذات يوم كان الروائي غابرييل غارسيا ماركيز قد كتب روايته االعظيمة “الجنرال في عزلته” وقد حكت الرواية عن تلك الخيبة التي عاشها الجنرال في عزلته وقد تعطّل هاتفه عن الرنين وفرغ منزله من أي زائر، وهاهو نظام دمشق يشتغل على كسر جدران عزلته باستثمار مطرب منسي لأغان منسية، ليقول أنه البلد مفتوح البوابات، ومقصد الزائرين من النخبة.
بالمنع يشتغل على كسر عزلته، وباستقبالات كرنفالية يستقبل مطربه، وفي كلا الحالين يتحول إلى نسخة عن النكتة، وكان كارل ماركس قد قالها:
ـ الدكتاتور في التاريخ يبدأ بمأساة وينتهي بمسخرة.
ولا ندري إن كان ما يحدث من مسخرة في دمشق اليوم يعني تحقق نبوءة كارل ماركس:
ـ النهاية المسخرة.