"داعش" في دمشق
كل التراب مناسبًا لإعادة إنتاج تلك النبتة المسمومة، فالوظيفة تتجدد، واللعبة الإقليمية بل والدولية تمنحها أسباب الحياة، وهاهي بياناتها تعلن عودتها، أقلّه بصيغة خلاياها النائمة التي لانعرف متى تستيقظ، وفي أي من الأمكنة ستستيقظ.
الأتراك في مواجهة الأكراد في سوريا، لن يمانعوا في العمل على إيقاظها، إن لم يكن بمنحها التمويل والتسليح، فأقله في تركها تتحرك براحتها، وبغض النظر عن حركتها، والنظام في سوريا، وقد كانت “داعش” أعظم استثماراته في حربه على شعبه، لابد سيرحب بعودتها حتى لو تطلب منه الأمر التضحية ببعض جنوده في حرب لاتتجاوز حدود مشهد في مسرح، أما الايرانيون، فلا بأس بالنسبة إليهم إعادة استنباتها، والكل يعلم أنه لم يحدث أن قام تنظيم “داعش” بأية عملية عسكرية في مواجهة الإيرانيين لا في سوريا، ولا في الأراضي الإيرانية، أما حربها مع حزب الله، فقد انتهت إلى الباصات الخضراء، وقد نقلتهم من منطقة إلى منطقة في سوريا حتى ارتكبوا مجزرة السويداء وتعدّى ضحاياها في يوم واحد 250 قتيلاً من مدنيين عزّل.
“داعش”، هي الاستثمار الاكثر عائدات من بين جميع الاستثمارات التي شهدتها سوريا النظام، وكذا العراق، عداك عن ليبيا، وإذا ما انتهى كتنظيم يعلن الطريق إلى الدولة، فليس ثمة ما يشير أنه تنظيم لم يتحوّل إلى حرب الغوار، وهي الحرب التي قد تكون أشدّ فتكًا من حروب الجيوش، وثمة لحظة، لابد وأن تكون اللحظة الأكثر ملاءمة لاستعادة دوره، عبر الصراع الكردي / التركي، ليكون أداة تركية في مواجهة اكراد الشمال السوري، وهو ما لم يخفه التنظيم عبر بياناته ونشراته، ولقد شاهدنا ذلك الفيديو الذي بثّته إحدى قنواته على تطبيق “تلغرام”، وهو الثاني منذ هزيمته ميدانياً في آذار الماضي وقد تزامن بثه مع تقارير صادرة من وزارة الدفاع الأمريكية بخصوص عودة قوية للتنظيم، حيث ما يزال الآلاف من عناصره طلقاء، ومئات من الخلايا النائمة تنتظر الفرصة.
لقد خاطب التنظيم أنصاره في الرقة ودمشق وإدلب وحلب، قائلاً إن “المعركة بيننا وبينهم قد أوقد نارها وسيشتد أُوارها”، واتّهم التنظيم دول التحالف بأنّها “أغرت” خصومه وبينهم الأكراد، مضيفاً “زجّوا بهم في لهيب حرب طاحنة لن تبقي لهم رأسا ولا ذنباً”، مشدّداً على أنّ دماء قتلاه “لن تكون هباء”.
الفيديو كما العادة يظهر مشاهد قطع رؤوس وإعدامات لأشخاص قدّموا على أنهم مقاتلون أكراد خطفهم المتطرفون، ويضمّ الفيديو مقاطع من تقارير تلفزيونية وشهادات تؤكّد أنّ التنظيم لم يهزم ولا يزال متواجداً في سوريا.
إدارة التوحش، لم تتوقف، وسوق بضاعتها يتسع، والمرئي من الأسواق اليوم سوقين رئيسيين لهذا التنظيم:
ـ السوق الأول هو السوق التركي، فالأتراك سيكونون جاهزين للتلويح للولايات المتحدة بهذا التنظيم الذي لابد سيستهدف قواعدهم في سوريا، وليس التنظيم عاجزًا عن إحداث خسائر في القوات الأمريكية المتواجدة على الأراضي السورية، كذلك لن يكون عاجزًا عن استهداف القوات الكردية المتحالفة مع القوات الأمريكية، وفي مثل هذه الحال سيكون داعش هو آخر الأوراق التركية في مساعيها لمنطقة آمنة، هي في جوهرها أوسع احتلال تركي للأراضي السورية ما بعد لواء اسكندرون ومنطقة أضنا وسواهما من الأراضي السورية التي التهمتها تركيا ما بعد أفول الدولة العثمانية.
ـ والسوق الثاني، وهو سوق النظام، الذي انتصر على المعارضة المدنية في سوريا عبر الأدوات التي قدمتها له التنظيمات الإرهابية، لتكون حربه على الإرهاب انتصارًا على دماء القوى الديمقراطية السورية وليس على القوى الظلامية التي يتعيش على شعار محاربتها.
في كلا السوقين، ستكون داعش البضاعة القابلة لإعادة التدوير، وفي كلا الحالين سيكون لداعش دورًا جديدًا، وفي كلا الحالين سيكون التنظيم في قبضة مشغليه، وفي كلا الحالين سيستثمر توحش داعش في توحش نظامين خصمين، يوحدهما التوحش بمواجهة شعوبهما، ولن نستبعد، أن يعود “داعش” إلى حرب المدن، ليكون انفجارًا هنا، وحزامًا ناسفًا هناك.
“داعش” يتجدد، ويجدد دور مشغليه، ولقدد بات مشغلوه منكشفين تمامًا.
كل الانكشاف قد تحقق..
هو ذا إدارة التوحش.. والإدارة ما بين عاصمتين:
ـ أنقرة / دمشق.
مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.