تركيا.. الدولة الخفية
أردوغان لم يستسلم، فسقوطه في انتخابات استنبول لم يكفه لخلع قفازية والنزول عن الحلبة.. الرجل مازال يراهن على الثواني الأخيرة في مباراة لم تنته بعد.
يحدث ذلك وهو يخوض معركة مزدوجة، بل وربما معركة مركّبة، بما يعني أنها اكثر من مزدوجة.
في الجانب الأول منها حزبه، فهاهو قد أخرج داود أوغلو من الحزب كرسالة استباقية يستهدف فيها علي باباجان وعبد الله غول.
ومعركته الثانية ستكون أبرز تطوراتها في مواجهته لخصومه من الولاة، وأبرز تطوراتها اقالة رؤساء بلديات ديار بكر وماردين وفان.
على الجانب الأول من معركته، فقد ضحّى بأبرز منظريه، بل بعقل حزبه صاحب نظرية تصفير الأعداء، كما تعارك مع رفيق دربه عبد الله غول، ولو عدنا لخلفية الصراع مع الرجلين فلابد أنه صراع يقوم على أمر واحد:
ـ ممنوع أن يكون في تركيا رجل ثان، فكيف إذا كان فيها واحد مكرر كما حال عبد الله غول أو أحمد داوود أوغلو؟
تلك معضلة الزعامة، وسبق أن عاشها زعماء من العالم الثالث، ومن بينهم جمال عبد الناصر، وأنور السادات، وكذلك حافظ الأسد، فعبد الناصر نحر رفيق دربه عبد الحكيم عامر، وحافظ أسد اجهز على كل رفاق دربه، وفيما يتصل بالسادات فلم يبق شاهدًا واحدًا على حياته إلاّ وفتك به.
هو ذا الزعيم في الانظمة الثيوقراطية، حتى لو تخطّت صيغتها القديمة ورفعت الديمقراية شعاراً لها، فحين توصلهم قاطرة الديمقراطية الى كرسي التاج، ينزلون من العربة.
التطلعات الرئاسية كانت السبب وراء الاطاحة بأحمد داوود أوغلو، ففي عام 2015، اعتبر أردوغان أن انتخابات 7 حزيران 2015 هي استفتاء على النظام الرئاسي الذي كان يريد الانتقال إليه. وإذ خسر حزب ;laquoالعدالة والتنمية;raquo; الانتخابات، خرج رئيس الحزب والحكومة حينها، داود أوغلو، قائلاً إن الانتخابات أظهرت أن الشعب لا يريد النظام الرئاسي.
ـ ساعده يقولها:
ـ الشعب لايريد النظام الرئاسي.
أي كفر هذا؟
وكانت النتيجة الاطاحة بالرجل، وثمة من يذهب بعيدًا في التوقعات الى الدرجة التي تقول بأن أردوغان ينصب فخ الاغتيال لأوغلو، ولاتستبعدوا أن نجد الأكاديمي الاستثنائي (ونقصد أوغلو) مرمياً على ناصية من شوارع استنبول أو أنقرة، أو مسجّى في مشفى مسموماً بعصير المانغا، فالاغتيال السياسي جزءًا من الثقافة التركية على وجه العموم، وهو امتياز مارسته جماعة الاخوان المسلمين، وبكل الحالات فالمتهم جاهز، وجسده لبّيس، فحزب العمال الكردستاني سيلبس التهمة فيما لو حدث ذلك، وليس بعيدًا أن يحدث، فإن لم يطل أوغلو فقد يطال رقبة عبد الله غول، والمخاض التركي لن يتوقف مادام التنظيم الدولي للاخون المسلمين مصرّاً على تنصيب أردوغان واليًا فيما المرشد العام يتجول في عواصم مخفية ووراءه جحافل من أشباح الاخوان.
معركة مزدوجة، وعلى الضفة الثالثة معركته في سوريا، ولن تكون المعركة كما يتبدّا للكثيرين بأنها معركة من أجل منطقة آمنة تردع البي كي كي عن التوغل في الشريط الحدودي السوري / التركي، لا، القصة أبعد من ذلك، فالجيش التركي، وهو جيش وليد مدرسة كمال مصطفى أتاتورك وجمهوريته، ليس براض عن أردوغان ولا عن الاسلاميين وجنرالاته يتذمرون، حتى بالكاد يلتقطون أنفاسهم، وليس بعيدًا ذلك اليوم الذي يحركون فيه دباباتهم نحو القصر الرئاسي ويقولون لأردوغان:
ـ لسنا في زمن الخيول.. نحن في زمن الدبابات.
ثم يحيلونه الى المحاكمة أم المعاش، والتجربة المصرية التي أطاحت بالرئيس محمد مرسي لابد وأنه تشكل هاجسًا لأردوغان.
إذن ما العمل والحال كذلك؟
العمل أن يزج الجيش التركي في معركة خارج حدوده، لتصدير مشاكل تركيا الداخلية من جهة، ولشد العصبية التركية في الجيش من جهة ثانية، وليس ثمة من يقلل من ذكاء أردوغان في إدارة الصراع وهو ابن المؤسسة الاخوانية التي امتدت في الدولة العميقة حتى باتت تنخرها من جذورها.
في تركيا اليوم دولتان:
ـ دولة الجمهورية. والدولة الخفية.
دولة الجمهورية بما يمثل لها الجيش، والدولة الخفية بما يمثله التنظيم العالمي للإخوان، وهي الجماعة الممتدة في مجمل دول هذا الكوكب ولابد أنها قادرة على الضغط أقّله على المجموعة الاوربية، وعلى الالمان على وجه التحديد، وليست لعبة المهاجرين السوريين والتلويح برميهم في وجه اوربا والتي يلعبها أردوغان، سوى واحدة من تجليات لعبة الاخوان المسلمين لليّ ذراع اوربا ووقف الهجمة الالمانية على اردوغان، وتعالوا نتذكر كيف اشتغل الاعلام الاخواني في تركيا على موضوع اللاجئين السوريين، حتى بات المخلب الذي يقضم ظهورهم.
ـ إنهم “جماعة الاخوان”، أما عن أردوغان فليس سوى الشيفرة التي تطلقها جماعة الاخوان.
تركيا في مخاض.
ـ دولة الجمهورية، والدولة الخفية والصراع بينهما بالظفر والناب.
إذا ما اندلعت الشرارة فستغرق تركيا بالدماء.
مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.