"كيف يربي طفل طفلا"…انتقادات حقوقية تطال ظاهرة الزواج المبكر في إدلب
مبتسما ومتلعثمًا يجلس محمد (17عاماً) من ريف إدلب بين مجموعة من الرجال الذين يكبرونه سناً مستكملاً مراسم زواجه، ومستقبلا المهنئين، واصفا حالته “بالفرح الممزوج بالخوف والإثارة”. هذا اليافع قرر أهله تزويجه من إحدى فتيات القرية، والتي لم يتجاوز عمرها 14عاماً، ففي العرف الاجتماعي لهذه المناطق يجب أن تكون الزوجة أصغر عمراً من الزوج. لا يجد محمد غرابة في زواجه المبكر قائلا “إنه أمر طبيعي ومعتاد وأن الكثير من أقرانه قد تزوجوا وسبقوه ومنهم صديقه عمره الذي تزوج قبل عدة أشهر ولم يتجاوز الـ 16 من عمره على عروسه ذات 13عاماً”. وبحسب والد هذا الشاب فقد كانت مثل هذه العادات منتشرة قبل عدة عقود لكنها شهدت انحسارًا كبيرًا خلال العقود الأخيرة لتعود أثناء الحرب وتظهر من جديد. لا يخفي محمد سعادته بطقوس الزواج وتقاليده وشعوره بالرجولة، لكنه يشعر بحمل ثقيل على عاتقه مبدياً حزنه لعدم قدرته على استكمال حياته كمراهق أو دراسته فهو مجبر اليوم على العمل لساعات طويلة لتأمين معيشته مع زوجته، كما أن ساعات التسلية وخروجه مع أصدقائه أصبحت أقل.
- بحثاً عن نصف الدين:
تقول وداد العبد الله (29عاماً) وهي عاملة في إحدى المنظمات الإنسانية في ريف إدلب إن “زواج القاصرين ظاهرة اجتماعية انتشرت في مناطق مختلفة من سورية وخاصة في الأرياف، ورغم وجود هذه العادة كعرف اجتماعي إلا أنها كانت محدودة بشرائح اجتماعية معينة ومناطق جغرافية محددة، لكنها وخلال سنوات الحرب توسعت وامتدت لتشمل مناطق جديدة خاصة في المخيمات والأرياف وبعض المناطق ذات الطابع المحافظ التي يسود فيها الفكر المتشدد”. وتضيف العبد الله أن المجتمع أصبح ينتقد من يتأخر في الزواج وخاصة الفتيات “فالزواج ستر وخلاص من همها “بحسب المقولة المشهورة هنا، أما بالنسبة للذكور فهو طريق للعقل والإلتزام بالأسرة والدين ومحليا يقولون “ان الزواج نصف الدين”. تعتقد العبد الله أن هذه العادات والأعراف ذات أثر مدمر على طرفي الزواج الشاب والفتاة فكلاهما لم يبلغ مرحلة النضج العقلي والجسدي وتصف هذا الزواج بأنه (جريمة مضاعفة) لأنه سيؤثر على أطفالهم وعلى المجتمع أيضاً، لما فيه من استباحة الطفولة وحرمان اليافعين من أبسط الحقوق الطبيعية في استكمال حياتهم والتمتع بسنوات مراهقتهم التي ستؤثر كثيرا في تشكيل شخصياتهم المستقبلية وتحصيلهم العلمي والمعرفي. وفي حين لا تخفي هذه السيدة لومها للجماعات الجهادية المسيطرة على المنطقة والفقه المتطرف الذي تم نشره في السنوات الماضية والذي يشجع على الزواج المبكر للقاصرين، وخاصة الفتيات قائلة “إنهم يضربون بالآراء الاجتماعية والطبية والعلمية التي تعارض الزواج في مثل السن عرض الحائط، ويصرون على نشر أفكارهم التي تجاوزها الزمن بما في ذلك من فهم خاطئ للدين والحياة وقداسة العقود الزوجية وما سينتج عنها في المستقبل” مشككة في قدرة هؤلاء اليافعين على تحمل تبعات الزواج من التزام وتربية في حال وجود الأطفال. وكانت إحصاءات سابقة صادرة عن وزارة العدل في سوريا قد أشارت إلى أن نسبة الزواج المبكر قد ارتفعت بأكثر من الضعف خلال سنوات الحرب. وبحسب عدد من الناشطين في مجال حقوق الإنسان فإن الأوضاع السيئة تتفاقم في المجتمع السوري، حيث يتم التركيز على قضايا إعادة الإعمار ونسب التدهور الإقتصادي وأمور سياسية وعسكرية فيما لم تلقى المشاكل الإجتماعية التي خلفتها الحرب السورية الكثير من الإهتمام من المنظمات والجمعيات المحلية والدولية. فيما يتساءل بعض الناشطين الذين تواصلت معهم وعبروا عن رفضهم لهذه الظاهرة على حد تعبير أحدهم “اذ كيف يربي طفل طفلا”؟ ويشار أن العديد من التشريعات الدولية وبحسب تعريفات الأمم المتحدة فإن كل من هو تحت الـ 18 عام يعتبر طفلاً. ويشار أن المادة 16 من قانون الأحوال الشخصية السوري تنص على أن “تكتمل أهلية الزواج في الفتى بتمام الثامنة عشرة وفي الفتاة بتمام السابعة عشرة من العمر”. فيما نصت كل من المادتين 491 و942 من قانون العقوبات السوري على أنه “من جامع قاصراً ولم تتم الخامسة عشرة، عوقب بالأشغال الشاقة تسع سنوات” وقد يصل الحكم إلى خمس عشرة سنة حسب تقدير القاضي”.
- حماية من الانحراف:
فيما يعارض الكثير من الأهالي الذين تم التواصل معهم في ريف إدلب رأي وداد معبرين عن تأييدهم للزواج المبكر وموضحين أن الوعي والإلتزام لايحتاج إلى عمر معين ومنهم حسن (25عاما) أحد المقيمين في ريف ادلب وهو أب لـ 5 اطفال مؤكدا أن الزواج المبكر أفضل للمجتمع والشباب، ورافضا مصطلح (قاصر) الغريب عن مجتمعنا فمتى بلغ الشاب أو الفتاة يجب تزويجه وهو أهل لتحمل مسؤوليات الزواج، معللا ذلك بقوله “لما في ذلك من دفع للفساد وحرص على طهارة المجتمع من الانحلال والخطيئة وحماية للشباب والفتيات، أما العمر فليس شرطا”.
- زواج غير مكتمل:
لاتزال آثار الحناء واضحة على أصبع يد محمد الأصغر (الخنصر) بعد أسبوع من زفافه على عروسه، وهي عادة محلية كنوع من الزينة ولجلب السعادة والبركة حيث يتم غمس أصبع العريس بالحناء قبل زفافه، ورغم فرحه بمجموعة صور من عرسه ومباهاته أقرانه في القرية بزواجه إلا انه يشعر ببرود في علاقته الزوجية التي لم تكتمل جسديا بعد ولايجد الكثير ليتكلم عنه مع عروسه، التي لاتزال تحمل العابها معها حتى اليوم. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.