سجون لبنان.. كارثة اجتماعية وحقوقية
أصبحت السجون اللبنانية كارثة اجتماعية، هكذا وصفتها النائبة اللبنانية “رولا الطبش”، حيث تشهد السجون اللبنانية أعمال شغب، كما أنها تنتج مساجين “غير أسوياء”، كما تعتبر السجون اللبنانية منطقة متعددة الجنسيات، إذ أن 50% من نزلائها هم من غير اللبنانين.
في لبنان، وفق تقرير معلومات أعده مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا، يوجد 22 سجناً، أربعة منها للنساء يجمعها الاكتظاظ وسوء حال المساجين حيث تضمّ ما يزيد على 10 آلاف سجين باستثناء مخافر الدرك في المناطق، يتوزعون بين 30% سوريون و20% غير لبنانيين و50% لبنانيون.
السجن الأكبر
سجن رومية، هو أكبر السجون اللبنانية يقع في رومية، قضاء المتن، شرق بيروت. عادة ما يضم السجن حوالي 5.500 سجين ويعتبر من السكون المكتظة للغاية. يأوي السجن السجناء والمسجونين احتياطياً. وفيه أقسام منفصلة للأحداث، للنساء والرجال.
على الرغم من اعتباره واحداً من أفضل المرافق الإصلاحية في لبنان، إلا أن سجن الرومية لا يزال يفقتد المتطلبات الدنيا التي تتماشى مع معايير الأمم المتحدة.
وكانت قد تناولت وسائل الإعلام اللبنانية مؤخراً أخباراً غير جيدة عن وضع المساجين في اللبنان، من حيث صغر المساحة المخصصة لكل سجين، إضافة لقلة الاهتمام الصحي، وأهم أمر هو بطء المحاكمات والنطق بالحكم، ما يجعل السجناء في ضيق، ويدفعهم أحياناً إلى الإنخراط في سلوكيات توصف بأنها “غير سلميّة”.
وتنص الفقرة الأولى من المادة 10 من المرسوم 14310، شباط 1949؛ “يجوز بأمر من وزارة الداخلة أو قيادة الدرك، نقل سجين أو عدة سجناء من سجن لآخر، على أن يكون السجن المنقول إليه صالحاً لنقل السجناء وذلك: تخفيفاً للازدحام وترعة بذلك مبدئياً مصلحة السجناء، فيما لا يتعارض مع الأحكام القانونية”.
لكن المحامي اللبناني “ربيع القيس” وفي كتابه “السجون في لبنان تشريع وحقوق وتوصيات” قال:”تحدد قدرة اإلستيعاب الرسمية للسجون اللبنانية ب 3653 بينما العدد الحقيقي للسجناء يطال اليوم 5876 وهناك ارقام تشير الى حوالي 7000 سجين أي حوالي مرة ونصف أكثر من قدرة اإلستيعاب الرسمية في أحسن تقدير ، ما يتناقض تماما الدنيا لمعاملة السجناء. ان اإلكتظاظ الكبير والخانق في السجون اللبنانية هو من أخطر المشاكل الذي تعاني منها السجون اليوم، حتى انه يقال ان السجون في لبنان أصبحت قنبلة موقوتة”.
ملاحقة خارج القانون
تستمر السلطات اللبنانية، وفق تقرير لمنظمة “هيومن رايس ووتش” بملاحقة الأفراد بسبب الخطاب السلمي، وضربت القوى الأمنية والجنود متظاهرين، وما زال الموقوفون يُبلغون عن تعرضهم للتعذيب على يد القوى الأمنية.
كما أن المرأة وفق المنظمة العالمية، لا زالت تعاني من التمييز في ظل وجود 15 قانونا مذهبيا منفصلا للأحوال الشخصية، كما أنّ زواج القاصرات والاغتصاب الزوجي لا يزالان قانونيين في لبنان. وبخلاف الرجل، لا تستطيع المرأة إعطاء الجنسية إلى أولادها وزوجها الأجنبي.
في أن هناك حوالي 1.5 مليون لاجئ سوري في لبنان؛ لكن 74 بالمئة منهم يقيمون في البلاد بطريقة غير شرعية. صعّدت السلطات مطالبتها بعودة اللاجئين في 2018 وعمدت بعض البلديات إلى إجلاء آلاف اللاجئين قسرا.
فيما تصعّب سياسات الإقامة في لبنان على السوريين المحافظة على الصفة القانونية وفق رايس ووتش، ما يعرضهم لتزايد خطر الاستغلال والإساءة وتحّد من قدرة اللاجئين على الوصول إلى العمل والتعليم والرعاية الصحية. 74 بالمئة من السوريين في لبنان يفتقرون إلى الإقامة القانونية ويواجهون خطر الاعتقال بسبب وجودهم غير الشرعي في البلاد. في مارس/آذار، ألغى لبنان بعض القيود المفروضة على الإقامة للأطفال السوريين اللاجئين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و18 سنة.
شغب واحتجاجات
أما داخل السجون، فهناك وفق مصادر حقوقية، حالات شغب تصل إلى أعمال عنف، كما حدث في سجن رومية والقبة سابقاً، ووردت أخبار من وسائل إعلام غير رسمية لبنانية تفيد بأن اليوم الجمعة 19 تموز، يشهد سجن رومياً مجدداً حالة احتجاج عنيفة، ويحاول السجناء الانتشار في مبنى الخصوصية الامنية، بينما كانت تسمع اصوات التكبير داخل مباني السجن، إضافة لحرق الفرش داخل مبنى السجن، وذكرت المعلومات أن الحريق في مبنى الخصوصية الأمنية اقتصر على الامتعة و الفرش.
ونقلت صفحة “أخبار حارة البرانية” عن مصدر أمني قوله:”إن الأوضاع لا تزال تحت السيطرة و تم استدعاء فرقة مكافحة الشغب التي انتشرت في باحات السجن استعداداً لاي تطور أمني قد يستجد”.
ويرجع مراقبون الأسباب وراء ذلك بالدرجة الأولى، إلى قلة المساحة المخصصة لكل سجين، مايولد احتكاك وحالة من العدوانية، إذ تشير دراسة نفسية عديدة أنه يوجد ارتباط وثيق بين زيادة حدة العدائية وتقلص المساحة المخصص للفرد.
وترددت في الأوساط اللبنانية مطالب بحل قضية السجون ونزلائها، كانت تقدمت به النائبة “رولا البطش” تطالب بإعفاء المساجين اللذين انقضت محكوميتهم ولم يدفعوا الغرامات المالية المستحقة عليهم، وتسليم المسجونين غير اللبنانيين الى البعثات الدبلوماسية والقنصلية لتتولى إجراء اللازم بصددهم.
إلا أن هيومن رايتس ووتش، أكد استمرارها في تويثّق تقارير عن التعذيب على أيدي القوى الأمنية اللبنانية بما في ذلك قوى الأمن الداخلي وأمن الدولة والجيش اللبناني.
ملف شائك
وقالت “الطبش” لقاء إذاعي معها لبرنامج “ملفك عندي” في إذاعة “صوت لبنان”:”ملف السجون موضوع شائك جداً ويتطلب الكثير من العمل ويُعتبر كارثة اجتماعية وهناك فئة كبيرة من الأجانب موجودة في السجون وتسبب أعباء ويجب ترحيلهم الى بلادهم”.
وطالبت الحكومة تأمين موازنة للبدء بتنفيذ العمل على المشروع الذي قدمته: “لا أحد يعمل من دون موازنة وسنجدد مطالبتنا لتأمين الموازنة المطلوبة للبدء بتنفيذ العمل على المشروع الذي قدمناه عن السجون ونحن مع العفو العام ضمن الشروط المقبولة وهناك معايير معينة لمن سيطاله العفو عام”.
كما يقترح المحامي اللبناني “ربيع القيسي” حلاً لمشكلة السجون في كتابه “السجون في لبنان؛عبر معالجة الأسباب التي تؤدي بنظره إلى المشاكل المتفشية في السجون اللبنانية، والتي أصبحت غالباً خارج نطاق سيطرة الأجهزة الأمنية.
ويلخص “القيسي” محموعة الأسباب:” إيجاد حل لهذه القضية الخطرة، يجب معالجة األسباب، وأهمها؛ السجناء الأجانب الذين أنهوا مدة عقوبتهم، والذين ينتظرون عدة شهور وأحيانا سنوات لنقلهم الى الأمن العام لترحيلهم أو إطلاق سراحهم، الموقوفون والمحتجزون المحليون الذين ينتظرون “عدة شهور” لصدور الحكم بحقهم، شكل هذا الاكتظاظ مشكلة خطيرة تسبب بمشاكل هائلة في عالم السجون في لبنان”.
ويكمن الحل برأي “القيسي”:” بناء سجون جديدة وعصرية، وربما خصخصة السجون كما في بعض دول العالم، تطوير البنية التشريعية، الإدارية للسجون، تطبيق قانون تقصير العقوبات المنصوص عنه في القانون رقم 463 الصادر في .2002 أيلول 17 د. االسراع في محاكمة الموقوفين والمحتجزين”.
ويوصي مراقبون في لبنان بسرعة اتخاذ الإجراءات المناسبة لحل مشكلة السجون، لأنها باتت قاب قوسين من الخروج من سيطرة الحكومة، إذ أن الغليان تعدى أسوار السجن ليطال الأهالي الذين بدؤوا بدورهم يفقدون الأمل في حرية أبنائهم.
مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي