المنطقة الآمنة شمال سوريا.. ضبط أمريكي لحركة الأتراك تجاه إيران
تكثف الحكومة التركية من تصريحاتها الإعلامية بما يخص المنطقة الآمنة شمال سوريا، والتي ستبقى اللغز الشائك الذي يتساوى فيه احتمالات النجاح والفشل حتى الان، الأمر الذي اعتبره مراقبون للشأن السوري، دليل على عجز أنقرة في المضي بمطلبها بشكل منفرد دون الحصول على موافقة غربية وأمريكية، معتبرين تصريحاتها تندرج في اطار “السلاح الإعلامي” ريثما تنجح في الحصول على بعض التوافقات الدولية في هذا الإطار.
وبالرغم من صعوبة التكهن حيال انشاء المنطقة المفترضة، إلا ان مراقبون وخبراء يجزمون أنها لن تكون كما تطلب تركيا، معتبرين ان الحل ربما يكون بتوصل الفاعليين الدوليين الى صيغة وسطية تأمن الحد الأدنى من الطلب التركي، ومايقابل ذلك من التأكيد على أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتخلى عن قوات سوريا الديموقراطية التي يرمز لها اختصار بـ “قسد”، وما يعني ذلك ان تطلب واشنطن من حلفائها المحليين في وحدات حماية الشعب بعض التنازلات لإزالة الهواجس التركية.
وأكدت وزارة الدفاع التركية، الاثنين وصول وفد أمريكي من 6 أشخاص إلى أورفة من أجل التحضيرات في إطار أنشطة مركز العمليات المشتركة المتعلق بالمنطقة الآمنة شمال سوريا، فيما قال وزير الدفاع التركي “خلوصي أكار”، صباح اليوم، أن أنقرة مصرة على إقامة منطقة آمنة في سوريا بعرض يصل حتى 40 كيلومتراً، لافتا الى إن تركيا مستعدة ان تعمل بمفرها على إنشاء هذه المنطقة.
وأشار “اكار” أن لدى حكومة أنقرة “خططا بديلة ” لإقامة المنطقة الآمنة، منوها بالوقت ذاته أن تركيا تنتظر من الإدارة الأمريكية اتخاذ الخطوات اللازمة بهذا الاتجاه على وجه الخصوص.
تفتيت سوريا وتقاسم النفوذ
تعتبر المنطقة الامنة خطوة واضحة المعالم في تقاسم مناطق النفوذ وتفتيت سوريا، في إطار توزيع الحصص ما بين التركي والأمريكي والروسي والإيراني، إذ تمتد المنطقة المفترضة على ثلاثة محافظات سورية الرقة والحسكة وحلب شمالي البلاد، وتشمل المساحة الجغرافية الواقعة شمال الطريق الدولي الاستراتيجي، الذي يربط مدن الشمال السوري، على طول الحدود التركية – السورية.
وتحاول الولايات المتحدة الأمريكية – إن أنشأت فعلا المنطقة الأمنية – مراعاة مخاوف الوجود الكردي والحفاظ على تواجده المستقل شرق الفرات، ومايقابل ذلك من تأمين المصالح التركية على الحدود الجنوبية الأمنية، فيما يعزو خبراء موافقة واشنطن أخيرا على المطالب التركية حيال المنطقة ;laquo;لكي لا يتم الاندماج الاستراتيجي بين تركيا وإيران على الساحة السورية;raquo; ويقول في هذا الاطار، د. خطار أبو دياب، الباحث في شؤون الشرق الأوسط والمحلل السياسي الأكاديمي وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس، في تصريحات صحافية ان السبب الرئيسي في نضوج مشروع الشريط الامني، وتقبل واشنطن له، بالرغم من التوتر مع أنقرة، هو الرغبة الأمريكية في قطع الطريق على التنسيق الخفي بين تركيا وايران ضد الأكراد، وضبط حركة الاتراك، على ان يكون الاشراف على تلك المنطقة بالتعاون مع تركيا وليس بتفويض لها على حساب الاكراد.
على خطى “منبج”
وتعكس كافة التصريحات الصادرة عن المسؤولين الأتراك وعلى رأسهم وزير الدفاع ووزير الخارجية حول “المنطقة الامنة” سعي أنقرة الحثيث من اجل قطع الطريق على واشنطن، للسير بالمشروع الآمن شمال سوريا فيه على خطى اتفاق منبج، إذ تعتمد انقرة في ذلك على جملة من العوامل، تحدث عنها لمرصد “مينا” الباحث السياسي “رشيد حوراني” وأهمها أن أمريكا حاولت تأسيس قواعد عسكرية شرق سوريا “رميلان الطبقة” في رسالة لأنقرة أنها ستستغني عن قادة أنجرليك التي تعتبر غرفة العمليات المتقدمة لكل اجراءات حلف الناتو في أفغانستان ووجود قوات تركيا في أفغانستان تحظى بشعبية جيدة، لكن أمريكا فشلت في انشاء قواعد على الأرض السورية أو تخوفت إن صح التعبير من عدة أمور يأتي على رأسها الرسائل الإيرانية المتضمنة تهديد المصالح الأمريكية بالقوة واستهدافها سواء في الخليج العربي أو سورية أو العراق عن طريق الحشد الشعبي.
ويتمثل العامل الثاني، برأي الباحث السياسي، في أداء فصائل الثورة السورية في معارك ريفي حماة وإدلب التي أكدت بموجب ذلك الأداء على قدرتها على التقدم إلى مناطق جديدة يمكن ان تنتزعها من النظام وروسيا، وكذلك من الميليشيات الانفصالية، لافتا الى ما حدث مؤخرا “على جبهة مدينة الباب ضد تلك الميليشيات دليل واضح، وكذلك ضد روسيا والنظام وأنه بقدرتها التقدم لانتزاع مناطق جديدة من تحت سيطرتهما، أو بقاء الوضع وفق مبدأ لا غالب ولا مغلوب وهو ما حدث بعد الهدنة في ريفي حماة وإدلب، وكذلك الإصرار على وجود وبقاء القواعد العسكرية التركية في الشمال المحرر أعطى دفعا معنويا كبيرا للفصائل في الحفاظ على موقفها الذي عمل بدوره على تقوية الموقف التركي”.
كما أن تركيا ستعمل باستثمار نتائج تصعيد موقفها مع الجانب الأمريكي الذي دفعه “الأمريكي” للتخفيف من قواعد اللعبة مع تركيا وأجبره للتفاوض معها، وأيضا لا تريد القيادة السياسية ان يدخل التململ في صفوف وقادة الجيش على غرار ما تم في المسألة القبرصية في سبعينيات القرن الماضي وأرسلت قيادة الجيش حينها رسالة للقيادة السياسية تؤكد أن التأجيل المتكرر سيؤثر سلباً على استجابة الجيش لتنفيذ القرارات في المرات المقبلة،.
أما عن إرضاء أمريكا لتركيا بشأن إيران، جزم الباحث السياسي “الحوراني” في تصريح لمرصد مينا، أن تركيا لن تتخلى عن إيران نظرا لموقف الأخيرة من المسألة الكردية التي تعتبر تهديدا لها أيضا، بالإضافة إلى ميل الدول الإقليمية لإنشاء محاور وتحالفات تقلل أو تضعف تحالفات القوى العظمى وقدرة تلك التحالفات على التأثير على تحالفات القوى العظمى، عدا عن المصالح الاقتصادية المتبادلة بين الطرفين وضمان عدم المشاركة الفاعلة للميليشيات الإيرانية في المعارك الدائرة حاليا.
وكان وزير الدفاع الأميركي “مارك إسبر”، أشار إلى أن إدارة الرئيس “دونالد ترامب”، تعتزم منع أي غزو تركي أحادي الجانب في الشمال السوري، مشيرا أنه من غير المقبول “أن تقوم تركيا بشن هجوماً على مقاتلين أكراد في شمال شرقي سوريا، ومحذرا بالوقت نفسه، من ردة فعل واشنطن، وأنها ستمنع أي تدخل أحادي الجانب في سوري.
مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي