اوراق ضغط دولية لمنع التدخل العسكري في ليبيا
يُنظر في الوقت الحالي إلى حالة الفوضى وغياب الأمن في ليبيا على أنها عوامل تهديد مباشر للأمن القومي في دول الجوار الليبي ولاسيما مصر . وقد مثّل التدخل العسكري المصري المباشر في فيفري 2015 من خلال الضربات الجوية العنيفة على مدينتي درنة وسرت – نتيجة لاختطاف 21 مصريًا من الأقباط من قبل خلية ليبية تابعة لتنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية (داعش)– واعدامهم ذبحا حتى الوقت الراهن ،ذروة تدخل مصر في الشؤون الليبية منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي على الاقل. وتعتبر الحدود الشرقية لليبيا ملاذاً آمناً نسبياً للميليشيات المسلحة ، حيث تتدفق الاسلحة ويتحرك المقاتلون بحرية من ليبيا إلى سيناء.
و توجد العديد من الجماعات المقاتلة في البلدين، و أكثر المنظمات خطورة وفتكًا في سيناء على غرار مجلس شورى الشباب الإسلامي أو جماعة المرابطون. ولقد أجبرت هذه المعطيات مجتمعة السلطات المصرية على اتخاذ جميع التدابير اللازمة لتأمين حدودها.
ان الهدف المباشر من التدخل المصري في ليبيا يتمثل في محاولة السيطرة على الميليشيات الإرهابية والجهادية في سيناء لتجنب انتشارها على طول الصحراء الغربية. وفضلا عن ذلك ، تهدف هذه الإجراءات إلى القضاء على الهجرة غير الشرعية وتهريب الأسلحة والمخدرات عبر ليبيا إلى مصر والعكس صحيح.
وشهدت السنوات القليلة الماضية تنامي العنف بشكل كبير في برقة وعلى طول الحدود بين ليبيا ومصر. حيث انضمت العديد من الجماعات السلفية الجهادية المصرية إلى المنظمات الليبية الراديكالية العاملة في هذه المناطق لقيادة هجمات مشتركة ، مثل الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي في سبتمبر 2012 ، عندما تمكنت مجموعات سلفية ليبية ومصرية من تصفية السفير الأمريكي. وأدت هذه التحركات أيضًا إلى تكثيف الهجمات ضد نقاط التفتيش العسكرية على جانبي الحدود الشرقية. بما يؤكد الخطر الكبير الذي تشكله هذه الجماعات السلفية الجهادية وقد ترتب على ذلك ازدياد المخاوف المصرية من نمو الروابط الإرهابية على طول المحور المصري الليبي.
تهديدات متزايدة
تمثل الأزمة الليبية ،للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ، على وجه الخصوص ،تحديًا ذا صلة بالاستقرار الداخلي والشرعية السياسية. على الرغم من تصريحاته الرسمية ، التي يدافع فيها عن سيادة ليبيا وسلامة حدودها ، وتجلى ذلك في ضغطه على المجتمع الدولي للتغاضي عن تدخل مصر في ليبيا ، بالتنسيق مع الحلفاء الإقليميين والدوليين ( الإمارات العربية المتحدة وروسيا وفرنسا). الهدف من التدخل هو إنشاء نوع من الحماية المصرية في برقة ضد الجماعات المتطرفة والمساهمة في استقرار ليبيا ومصر،. في هذه الاثناء ، تلقى السيسي الدعم من حلفائه الليبيين داخل برلمان طبرق (مجلس النواب) ، وعلى وجه الخصوص ، من زعيم ليبيا القوي خليفة حفتر. ومنذ عودته إلى ليبيا وإطلاق عملية الكرامة ضد الميليشيات المسلحة في بنغازي وبرقة ، استفاد المشير الليبي من دعم القيادة المصرية وقوتها العسكرية. وقد اعترف حفتر بتعاونه الوثيق مع مصر ، وخاصة في مجال تبادل المعلومات الاستخبارية والمساعدة اللوجستية ،وهذا يؤكد الأهمية الاستراتيجية التي توليها مصر لاستقرار حدودها الغربية .
اتخذت مصر تدابير متنوعة لمواجهة التهديدات المتزايدة وغير المتكافئة على طول الحدود المشتركة مع ليبيا ، مثل نشر جيوش ميدانية لمكافحة الإرهاب أو إطلاق مناورة عسكرية ضخمة ” بالمنطقة الغربية بالقرب من حاجز السلوم. و تُظهر كل هذه الإجراءات السياسية والعسكرية أن الحدود مع ليبيا هي أحد الهواجس الأمنية الرئيسية لمصر وتبين أيضًا أن تدهور الأمن في ليبيا يمكن أن يترك مصر عرضة للهجمات على جبهات متعددة.
وإلى جانب البعد العسكري والأمني ، يعتمد تدخل مصر في الشؤون الليبية أيضًا على العوامل الاقتصادية: أولاً وقبل كل شيء ، وجود العديد من العمال المصريين الذين يعيشون في ليبيا. اذ تشير التقديرات إلى أنه قبل سقوط القذافي في عام 2011 ، كان عدد العمال المصريين في ليبيا يقدر بمليون ونصف المليون ، معظمهم من الأقباط ، يعملون في ليبيا . ومن البديهي ان يخلّف انخفاض عدد العمال المصريين المهاجرين في ليبيا آثارًا خطيرة على الاقتصاد المصري ، (خفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي ) ويهدد هذا الوضع الاقتصادي المتأزم الاستقرار السياسي في مصر بفعل معدل البطالة الوطني المرتفع بالفعل.
وأكد وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الطارئ عبر تقنية الفيديو الذي دعت إليه مصر أن الحل السياسي هو المسار الممكن والوحيد لإخراج ليبيا من أزمتها الحالية. وطالب الوزراء بالوقف الفوري لإطلاق النار والقتال الدائر هناك والعودة إلى طاولة المحادثات.
وقال وزراء الخارجية العربإنهم يرغبون في تجنب نشوب معركة جديدة في ليبيا حيث يحشد الطرفان المتحاربان قواتهما قرب المنطقة الرئيسية لصناعة النفط مع تهديد داعميهما الأجانب بالتصعيد.
وقال الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط في بيان “ليبيا تمر بمنعطف خطير للغاية في مسار الصراع الذي يمزق هذا البلد العربي الهام”.
التدخل المصري
و كانت مصر قد قالت إن جيشها قد يتدخل بشكل مباشر في ليبيا وقالت فرنسا إنها لن تتغاضى عن التدخل التركي هناك.
وتغيرت جبهات القتال سريعا في ليبيا بعدما ساعد الدعم التركي حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا في طرد قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) من ضواحي طرابلس وشمال غرب البلاد.
وتراجع الجيش الوطني الليبي، المدعوم من مصر والإمارات وروسيا، حتى مدينة سرت على ساحل البحر المتوسط بوسط البلاد حيث أوقفت ضربات جوية تقدم قوات حكومة الوفاق الوطني. ويجهز الطرفان حاليا لمعركة على سرت.
وقال ياسين أقطاي نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا إن حكومة الوفاق الوطني تستعد لاستعادة سرت وإن القيادة المصرية “ليس لديها القوة أو الجرأة” على محاولة وقف ذلك.
من جهته وجّه رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، التحية والتقدير للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، مؤكدا أن مواقفه الداعمة للشعب الليبي تاريخية ولن ينساها الليبيون.
وأوضح صالح، في حوار مع وكالة “أنباء الشرق الأوسط” المصرية، أن السيسي، في الأزمة الليبية، طالب بأن يبقى كل طرف في مكانه وعلى الجميع الاتجاه للتوافق عبر الحل السياسي حسب مخرجات مؤتمر برلين ولم يهدد ولم يهاجم أي طرف.وأكد صالح إن السيسي لم يكن متحيزا لموقف على حساب موقف.
و قال عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي،إن الشعب الليبي يطلب رسميًا من مصر التدخل بقوات عسكرية إذا اقتضت ضرورات الحفاظ على الأمن القومي الليبي والأمن القومي المصري.ويرى صالح، أن “هذا التدخل سيكون دفاعا شرعيا عن النفس حال قيام الميليشيات الإرهابية والمسلحة بتجاوز الخط الأحمر الذي تحدث عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي ومحاولة تجاوز مدينتي سرت أو الجفرة”.
فرصة لاستعادة السيطرة
و كان انسحاب الجيش الوطني إلى سرت الشهر الماضي ضربة لقائده خليفة حفتر الذي كان هدفه بتوحيد ليبيا بالقوة بعد سنوات من الفوضى والانقسام معلقا على الهجوم الذي بدأه في أفريل 2019 للسيطرة على طرابلس.
وأي تقدم لحكومة الوفاق من شأنه أن يمنحها فرصة استعادة السيطرة على منطقة “الهلال النفطي” التي يتم منها انتاج وتصدير معظم نفط البلاد.واعتمد نجاحها العسكري في الأسابيع القليلة الماضية على أسباب منها دعم الطائرات المسيرة التركية التي استهدفت خطوط إمداد الجيش الوطني الليبي وتشكيلات قواته.
و قالت الولايات المتحدة الشهر الماضي إن روسيا أرسلت طائرات حربية إلى قاعدة للجيش الوطني وقالت الأسبوع الماضي إنها باتت تعمل قرب سرت.
غير أن دبلوماسيين يقولون إنه ما تزال هناك فرصة لتفادي نشوب معركة بشأن سرت، البوابة الغربية لمرافئ النفط الليبية الرئيسية، خاصة إذا أمكن التوصل إلى اتفاق بين تركيا وروسيا.
وقالت روسيا إنها تريد وقفا لإطلاق النار في ليبيا، ونفت تقريرا للأمم المتحدة الشهر الماضي قال إن ما يصل إلى 1200 من المرتزقة الروس يقاتلون في ليبيا.