الرئيس التركي في قطر.. بماذا عاد؟
مرصد مينا – هيئة التحرير
يُشير البيان الصادر عن اللقاء الذي أجمع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، مع أمير قطر تميم بن حمد، في الدوحة، أن الزيارة كانت مادية بامتياز، فمعظم الاتفاقات ومذكرات التفاهم التي تم التوقيع عليها، كانت ضمن عملية الابتزاز التركية المستمرّة معها عند أيّ منعطف، خدمة لتوجهات حكومة حزب «العدالة والتنمية» عبر الخلفية التي تجمعهما والتي تصب في النهاية بملعب جماعة «الإخوان المسلمين» التي تتحرك في الدول العربية بناء على توجهات والمخططات المرسومة لها من كلتا الدولتين، إذ تضمنت الاتفاقية الأولى التي وقعاها تعديلات على اتفاقية سابقة والتي تتعلق بترتيبات اتفاق تبادل العملات الثنائية (الريال القطري، والليرة التركية) بين مصرف قطر المركزي وبنك تركيا المركزي، في وقت تعيش الليرة التركية أسوأ أيامها بسبب التراجع الكبير في قيمتها الشرائية، فما الذي يدفع قطر لتعديل هكذا اتفاقية سوى عملية ابتزاز أنقرة المستمرّة لها؟
أما الاتفاقية الثانية، فلم تختلف عن الأولى، إذ وقعت الدولتان على مذكرة تفاهم بين هيئة مركز قطر للمال ومكتب التمويل التابع لرئاسة الجمهورية التركية، فيما جاءت بقية الاتفاقات الموقعة بين الطرفين مجرّد تحصيل- حاصل- لأنها تعتبر ثانوية مقارنة بحجم الأموال التي تسحبها تركيا تحت حجة توسيع وتعزيز التعاون في الاستثمارات بين البلدين.
هبات مالية لا ترد
من خلال مراجعة بسيطة لتاريخ العلاقة بين أنقرة والدوحة، ليس من الصعوبة كشف خفايا النوايا التركية من التوجه إليها على نحوٍ مُتسارع، مستغلة الأزمات التي تعيشها بعض الدول العربية، ومنها قطر ذاتها بغية الحصول على المزيد من الأموال القطرية على شكل استثمارات وصفقات ضخمة أو في الحقيقة هي قد تكون هبات مالية لا تُرد، وذلك في مقابل ما تسميه أنقرة أو تدعي انها من أجل «توفير الدعم العسكري»، غير الضروري لدولة مثل قطر، والذي بات يصفه بعض المُراقبين الدوليين اليوم بأنّه «أشبه باحتلال تركي لقطر»، لأن فوائد العلاقة جميعها لمصلحة الأتراك، تحت حجة أنها ساعدتها زمن الحصار.
إن البيانات الصادرة عن البنوك والمصارف التركية تشيّ ما نالته تركيا من هذه العلاقة، وبالعودة إلى ما «شفطته» بالآونة الأخيرة يبدو واضحاً حجم الكتل المالية الضخمة التي حصلت عليها، إذ أعلن البنك المركزي التركي، مؤخراً «تلقيه 10 مليارات دولار من اتفاق مبادلة عملة أبرمه مع قطر». كما كشف المركزي التركي، أنه «تمّ تعديل اتفاق المبادلة إلى 15 مليار دولار من خمس مليارات دولار»، تحت بند فضفاض وهو أن ذلك كله «بهدف تسهيل التجارة الثنائية بالليرة التركية والريال القطري، ودعم الاستقرار المالي في الدولتين». ولعل هذا الهدف بحد ذاته يدعو للاستغراب، لأنه فعلاً يقدم بعض التمويل الخارجي الذي أنقرة بأمس الحاجة له لتعزيز الاحتياطيات المستنزفة ودعم الليرة التركية، التي دخلت مرحلة الإنعاش لمواصلتها بشكل يومي فقدانها لقيمتها، لذلك هي تسهيل لتركيا وإفادة لها فقط.
وما كشف عنه سفير تركيا الحالي في قطر، «فكرت أوزر»، هي عين الحقيقة، وفق ما نقله موقع «أحوال تركية» وذلك حين أعلن أنّ لدى القطريين استثمارات مباشرة وغير مباشرة في تركيا بلغ مجموعها 22 مليار دولار لغاية النصف الأول من عام 2019. لكن هل هذه الاستثمارات تدخل ريعها الصندوق القطري أم التركي؟
كورونا من جهة وأردوغان من أخرى
وفقالتقارير اليومية عن حالات كورونا المترافقة مع تراجع في الوضع الاقتصادي في القطاع الحكومي القطري، فإن البلاد تتجه نحو أزمة مالية كبيرة قد تطال القطاع الحكومي أولاً، بعد أن طالت كبرى الشركات الخاصة في البلاد، وذلك نتيجة لتداعيات تفشّي وباء كورونا المستجد بشكل كبير في قطر، إضافة إلى القضية الأهم، من خلال استنزاف الخزائن المالية للدوحة في مشاريع دعم الإرهاب، وتمويل المخططات التي وضعها الرئيس التركي، رجب طيّب أردوغان، والذي لا منفذ دهم له فيها بعد التهديدات المتواصلة من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بفرض عقوبات عليها، سوى اللجوء إلى الدوحة كلما وقع بأزمة مالية، نتيجة تدخلاته المباشرة في أكثر من بلد عربي.
وما يؤكد توجه الاقتصاد القطري لأزمة مالية كبيرة، إصدار حكومتها قرارات خاصة موجهة إلى المؤسسات التابعة لها بخفض تكلفة العمالة «الأجنبية» غير القطرية فيها، لمواجهة المشاكل المالية المتواصلة، عقب الكشف عن تراكم 10 مليارات دولار من الديون على الدوحة في نيسان/ أبريل الماضي لوحده. والمشكلة أنها حتى بقرار التخفيض لن تحل مشكلتها خاصة وأن العمالة الوافدة تشكل نحو 95% من سكانها، وهذا ما زاد من حدة الاستياء من ذاك القرار، فيما تقوم في الوقت ذاته بتمويل حروب أردوغان في سوريا وليبيا والعراق وقريباً في اليمن، وهذا ما توقعته معظم التحليلات، لأن وجوده وتدخلاته قائمة على علاقته بالميليشيات الإرهابية.
قطر لم ترد على تساؤلات «بلومبيرغ»
حصلت وكالة «بلومبيرغ» على خطاب موجه من وزارة المالية القطرية إلى الوزارات والمؤسسات والجهات الممولة من الدولة، والمتعلقة بقرار خفض تكلفة تشغيل الأجانب العاملين في هذه المؤسسات اعتبارا من أول تموز/ يونيو جاري، بنسبة 30%، سواء بخفض الأجور أو بإنهاء خدمة عدد من الموظفين الأجانب، وكشفت الوكالة أنّ الخطاب كان يتضمن أيضاً أمراً «بوقف الترقيات والمخصصات المالية الإضافية مثل مقابل الاجازات، وتذاكر السفر لغير القطريين، إلا إذا كان يتم منح هذه المخصصات في بداية أو نهاية التعاقد مع الموظف الأجنبي. كما تقرر وقف صرف دفعات مقدمة من المستحقات إلا في حالة الزواج».
وفور حصولها على القرار، حاولت «بلومبرج» الاتصال بمكتب إعلام الحكومة القطرية، للتعليق على الخطاب، إلا أنها لم تتلق أيّة إجابة على استفساراتها، علماً أن منظمة العفو الدولية هي الأخرى تناولت القضية من خلال إلقاء الضوء على أوضاع العمال الوافدين في مشروع بناء استاد كأس العالم لكرة القدم في قطر، والذين لم يحصلوا على أجورهم لمدة تصل إلى سبعة أشهر.