ملالي طهران .. فلسطين ليست (أولاً)
ابان انتفاضات شباب “الحركة الخضراء” في طهران، تعالت آلاف الأصوات في وهي تهتف”لا غزة ولا لبنان، أضحي حياتي من أجل ايران”.
كان ذلك بمثابة رد على كذبة لم يعد يتقبلها الشارع الإيراني الذي يقبع تحت وابل عنف الحرس الثوري الايراني، تحت شعار “سنمحو اسرائيل عن االخريطة”.
كذبة ابتدأت بالتحالف الذي تَشكل قبل الثورة الخمينية، والذي تضمن رجال دين إسلاميين ومثقفين يساريين ونشطاء سياسيين متعصبين ينتمون إلى حزب «تودة» الشيوعي أو منظمة «مجاهدي خلق» الإسلامية والإشتراكية أو «محاربي الشعب المقدسين»، ومنظمة «فدائي خلق» الماركسية التي تضم «المقاتلين من أجل حرية الشعب». وهي كذبة تلتها أكاذيب أخرى، سمحت لرجال الملالي النطق باسم “الأمة الاسلامية”، منددين بالدولة القومية، وهي الكذبة التي حملها آية الله الخميني إلى السلطة عام 1979، يوم أعلن أن القومية معاكسة للإسلام حيث قال “تتعارض القومية مع الإسلام، وهي مصدر بؤس المسلمين. فالقوميون هم أسلحة الشيطان ويخدمون القوى الكبرى وهم أعداء القرآن”.
مع ادعاءاته تلك، أطلق حكام الجمهورية الإسلامية على إيران مصطلح “أم القرى” في العالم الإسلامي، وهو المصطلح القرآني الذي استخدم لوصف مكة بأنها أم كل المدن. لذلك، عندما يطلقون على إيران مصطلح أم كل المدن، فهذا يعني أنهم يُعدّون أنفسهم زعماءً لجميع المسلمين وأن إيران هي عاصمة العالم الإسلامي.
مع هذه الأيديولوجية التي تدعي وحدة المسلمين، أضفت الشرعية على التدخل السياسي والعسكري في بلدان أخرى من أجل دعم المسلمين في مواجهة أعدائهم مثل “الإمبريالية الغربية” و”الإحتلال اليهودي لإسرائيل”.
وقد انجذب العديد من المسلمين إلى هذا الخطاب الجديد العاطفي، ولكن سرعان ما تلى ذلك خيبة أمل. فعلى الرغم من أن دعم المجموعات الفلسطينية بالإضافة إلى المتطرفين الشيعة من مثل “حزب الله” في لبنان وأماكن أخرى في المنطقة قد أصبح إحدى المكونات الرئيسة لسياسة إيران الخارجية، إلا أن هناك العديد من الأدلة على أن الدعم والتعاطف الإيراني لم يقدما دون قيد أو شرط.
المثال الأبرز ربما سيأتي مع وقائع حكاية الامام موسى الصدر، فقد كان الإمام موسى الصدر، الزعيم الشيعي المعتدل والكاريزماتي الذي كان رئيساً للطائفة الشيعية في لبنان قد تعرض للاختطاف من قبل الحكومة الليبية ثم اختفى في آب/أغسطس 1978. وعلى الرغم من العلاقات الوثيقة التي تربط الجمهورية الإسلامية بالحكومة الليبية وقائدها، معمر القذافي، إلا أن الحكومة الإيرانية لم تبذل أي جهد لتحرير الصدر. وبعد مرور ثلاثة عقود على الحادث، لا يزال الشيعة المعتدلين ليس فقط في لبنان ولكن أيضاً في بلدان أخرى يتساءلون عن السبب الذي دفع إيران إلى عدم إظهار أي رغبة في متابعة قضية الصدر.
لقد أظهر وضع المسلمين السنة في إيران بأن ادعاء النظام بأنه يقود جميع المسلمين في العالم هو بدافع السياسة وليس بالعقيدة الدينية. فمنذ قيام الثورة الإسلامية، يعاني المسلمون السنة في إيران من التمييز المنهجي على مختلف المستويات. ويشكل السنة أكثر من 10 في المائة من السكان، وقد تعرض العديد من قادتهم للإعدام أو السجن دون مبرر قانوني. كما قامت الحكومة الإيرانية أيضاً بتدمير مدارس سنية في جنوب غرب إيران واعتقال معلمين. وقد حُرم المسلمون السنّة من أي مشاركة سياسية مهمة. ولا يُسمح لهم بتشييد أي مسجد في طهران، وذلك على الرغم من امتلاك المسيحيين واليهود لكنائس ومعابد يهودية.
عندما اندلعت سلسلة من الإشتباكات العنيفة بين مسلمي اليوغور والشرطة الصينية في تموز/يوليو 2009، تلك الإشتباكات التي أدت إلى موت أكثر من 190 مسلماً، لم ترد جمهورية إيران الإسلامية مطلقاً على ذلك — لأن علاقة النظام مع الصين تتمتع بالأسبقية.
إن النهج المعادي للغرب الذي خلق أرضية مشتركة للإسلاميين واليساريين خلال الثورة، لا يزال عنصراً رئيساً من فن الخطابة العام للجمهورية الإسلامية. وبسبب كون إسرائيل حليفاً رئيسياً للغرب في الشرق الأوسط، فقد كانت هدفاً فورياً وجذاباً وفقاً لأسس “إسلامية” ومناهضة للرأسمالية.
لم يكن النهج الإيراني حيال القضية الفلسطينية سوى نهج مبني على الذرائع بشكل كامل، وأن نجاح عملية السلام ما بين العرب وإسرائيل، سيخلق مشكلة أساسية للجمهورية الإسلامية من خلال حرمان النظام من “عدو كبير” يمكن أن يُعزى إليه جميع الإخفاقات السياسية والإقتصادية ويمكن استخدام ذلك العدو لوصم خصوم النظام. فالجمهورية الإسلامية، لاسيما بعد مرور أربعة عقود على إنشائها، يمكنها بالكاد إيضاح سبب عدم تحقيق وعودها بجلب الرخاء الدنيوي لكل مواطن إيراني — أو تبرير إخفاقها في مقاومة ما تسميه بـ “الغزو الثقافي” للغرب. فالشباب الإيراني هو الشباب الأكثر قرباً إلى الغرب في منطقة الشرق الأوسط بعد الشباب في إسرائيل. لذلك، ليس لدى النظام الإسلامي أية قوة ناعمة للتأثير على المسلمين من خلال عرض نموذج بديل للثقافة أو الإقتصاد أو السياسة.
بالنسبة للعديد من الإيرانيين، لاسيما جيل الشباب، لا يهم ما إذا كانت إسرائيل دولة جيدة أو شرعية: هم يريدون أن يقوم قادة إيران بوضع إيران قبل أي شيء آخر. ففي عام 2008 ، خصص مجلس مدينة طهران 3 ملايين دولار أمريكي للمساعدة في إعمار لبنان. وقد تعرض ذلك القرار للنقد على نطاق واسع من قبل السياسيين الإصلاحيين ومن عامة الناس على حد سواء لأنه حرم طهران من الأموال التي كان يمكن تخصيصها لتلبية الإحتياجات الأكثر إلحاحاً، مثل التصدي لأزمة التلوث أو مشكلات النقل. ويقول المثل الإيراني “إذا يحتاج المنزل إلى مصباح، فلا يستحقه المسجد”. إن اهتمامات الشعب الإيراني، لاسيما الجيل الجديد، لا تنصب على فلسطين أو لبنان بل على مشكلات البلاد الإقتصادية الملموسة ودمج إيران في المجتمع الدولي.
ما هي الآفاق المستقبلية للعلاقات بين إيران وإسرائيل؟
لا يستطيع أحد التنبؤ بذلك على وجه اليقين. ولكن الشئ المؤكد هو أنه ما دام أن الشعب الإيراني لا ينظر إلى حكومته باعتبارها حكومة شرعية، فإن سياستها، بما في ذلك معارضتها لإسرائيل، لن يكون لها أية شرعية أيضاً. وقد استعاضت الجمهورية الإسلامية، حتى الآن، عن “المصالح الوطنية” للشعب الإيراني بإدخالها نظرية “تشخيص مصلحة النظام”، كما تم تعريفها من قبل المرشد الأعلى، الذي يعتبر نفسه حاكماً للعالم الإسلامي. وسيتم تحديد “المصالح الوطنية” في إيران الديمقراطية، عن طريق قيام إجماع بين الأحزاب السياسية الحرة والمجتمع المدني المنفتح وبمساعدة صحافة حرة.
إسرائيل، كانت المشجب الذي تعلّق عليه ملالي إيران عباءاتها وعماماتها، وهاقد مضى اربعون عامًا على انتصار الثورة الخمينية، والسؤال على الدوام:
ـ ما الذي قدمته هذه الثورة للقضية الفلسطينية؟