ما بعد اغتيال أبو محمد المصري
لم يعد ثمة التباس واحد يحول دون التيقن من دعم ملالي طهران لتنظيم القاعدة، وما اغتيال زعيم تنظيم القاعدة أبو محمد المصري على الاراضي الايراني سوى رأس جبل الجليد، وكان الموساد الإسرائيلي من أعلن عن هذا الاغتيال.
ليس تنظيم القاعدة وحده ماينال الرعاية الايرانية، بل مجموع الفصائل الاسلامية العنفية، وهي الرعاية التي تتقاطع مع الرعاية التركية لهذه التنظيمات، أما عن اغتيال المصري، والذي وقع قبل لااثة شهور وكشف عنه قبل أيام، فلم يكن سوى رسالة موجهة إلى إيران، مفادها إعلان الحرب الخفية بين الولايات المتحدة وبين إيران، على البرنامج النووي للأخيرة خصوصا، ما زالت متواصلة، وأن “القادم أعظم”.
لقد سبق الاعلان عن هذا الاغتيال اغتيال قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وكل المعلومات تؤكد أنه انطلق من سوريا بعد قيامه بالترتيب لمجموع عمليات ارهابية في أوروبا والعالم، وجاء اغتيال “المصري” ليطرح مجموع استنتاجات كانت “نيويرك تايمز” قد طرحتها:
الاستنتاج الأول، هو أن إيران تستضيف قياديين في تنظيم القاعدة رغم إعلان طهران عداوتها لهذا التنظيم “الجهادي السني”، وذلك لسببين: الأول، هو “الرغبة في التنسيق والتعاون في هجمات ضد أعداء مشتركين، بينهم الولايات المتحدة “. والثاني، هو “التيقن من أن التنظيم لا ينفذ هجمات ضد إيران أو مصالحها”.
حسب نيويورك تايمز، فإن مشكلة إيران بالكشف عن الاغتيال ليست تجاه الخارج، بتفسير سبب استضافتهم له وإنما تجاه الداخل “وماذا سيقولون للجمهور؟ وماذا سيقولون لجيران المصري الذين اكتشفوا فجأة أن المؤرخ اللبناني الشيعي اللطيف هو عمليا نائب زعيم القائدة؟”.
الاستنتاج الثاني، هو أن “للموساد خصوصا والاستخبارات الإسرائيلية عموما مقدرة هائلة على اختراق عميق للغاية داخل أجهزة الاستخبارات، الجيش والأمن الإيراني. وهو النوع نفسه من الاختراق الذي سمح للموساد، وفقا لتقارير أجنبية (إذ لا تعترف إسرائيل رسميا بذلك)، بتفجير المنشأة النووية في نطنز، قبل عدة أشهر”.
المحلل الإسرائيلي بيرغمان كان قد نشر مقالاً في يديعوت احرونوت قال فيه أن “إمكانية العثور على المصري، وبعد ذلك اغتياله، تعبر عن القدرات الاستخباراتية العملانية غير المألوفة للموساد التي وُضعت في خدمة الولايات المتحدة”.
الاستنتاج الثالث، هو أن العلاقات بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وتلك الأميركية “وثيقة أكثر من ذي قبل، فالمصري ليس ضمن قائمة أفضليات أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، والعثور على المصري المتخفي بهوية مزيفة حدث بالصدفة، وخلال جمع معلومات استخباراتية عامة، كما أن استهدافه ليس (رغبة) إسرائيلية، رغم أن لإسرائيل حساب مفتوح معه”.
بيرغمان أضاف أن طلب الولايات المتحدة من إسرائيل تنفيذ الاغتيال، “هو إثبات على مدى الثقة والتقارب اللذين يشعر بهما جواسيس العم سام تجاه الموساد وباقي أجهزة الاستخبارات. وحقيقة أن الموساد هو الذي يغلق الحساب لصالح الدولة العظمى الأقوى في العالم، هي إثبات على قوته”. وأشار إلى أن “إسرائيل لم تكن قادرة على تنفيذ قسم كبير من العمليات ضد إيران، في سورية ولبنان والعراق وإيران، من دون المظلة الكبيرة التي نشرها الولايات المتحدة”.
الاستنتاج الرابع، هو أن “ثمة احتمال أن عمليات الإثارة الكبرى قادمة. ورغم أهمية اغتيال المصري، لكن هذه معركة هامشية بالنسبة للقضية المركزية، المواجهة المتواصلة، وهي بمثابة حرب نشبت منذ مدة ومستمرة طوال الوقت، بين إيران من جهة وبين الولايات المتحدة وإسرائيل من الجهة الأخرى. وهناك لم يتم قول الكلمة الأخيرة بعد. بل ما زالت بعيدة”.
“يديعوت أحرونوت”، اولت هذا الامر اهمية استثنائية، فقد كتب يوسي يهوشواع، أن السؤال المركزي بشأن توقيت النشر عن هذا الاغتيال هو لماذا لم يستخدم الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، هذا الاغتيال خلال حملته الانتخابية. ومن الجهة الأخرة، اعتبر أن الاغتيال يبعث رسالة إلى الإدارة الأميركية للرئيس المنتخب، جو بايدن، “حول مدى أهمية إسرائيل للأنشطة في الشرق الأوسط”.
وأضاف يهوشواع أن “الرسالة الأخرى هي بالطبع قدرة إسرائيل على العمل في إيران، وفي مراجعة للصحافة الاسرائيلية بالوسع التوقف عند المحلل العسكري في صحيفة “يسرائيل هيوم، يوآف ليمور، الذي يكتب أن “الرسالة في النشر عن اغتيال المصري موجهة لعدة جهات، إلى القاعدة وإيران وأي جهة “راديكالية” في المنطقة”. ويشار إلى أن “جهة راديكالية” بالمفاهيم الإسرائيلية لا تعني تنظيمات جهادية متطرفة فقط، وإنما حركات مثل حماس وحزب الله.
وأشار ليمور إلى أن التعاون بين الموساد وشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وبين أجهزة الاستخبارات الأميركية ليس استثنائيا، وإنما هو عميق. “وهذا ينطبق على تبادل المعلومات الاستخباراتية، ومنذ 15 عاما ينطبق أيضا على قضايا عملانية مختلفة. والمثالان الأبرز، هما زرع الدودة الإلكترونية ’ستاكينت’ في منظومة أجهزة الطرد المركزي الإيرانية، واغتيال القيادي العسكري في حزب الله، عماد مغنية، في دمشق عام 2008”.
وأضاف أن “الموساد أثبت قدرة عملانية مثيرة للإعجاب في الأراضي الإيرانية، بدءا من اغتيال علماء نوويين، وحتى تفجير منشأة نطنز، في حزيران/يونيو الماضي” ونسب ذلك إلى “تقارير أجنبية”.
اللافت فيما كتبه ليمور أنه استبعد الادعاء الإسرائيلي بأن يكون المصري قد انشغل في الفترة الأخيرة قبل اغتياله بالإعداد لهجمات ضد أهداف إسرائيلية ويهودية في العالم. “فاحتمال ذلك ضئيل، إذا أخذنا بالحسبان حقيقة أن القاعدة، الذي يواجه مصاعب منذ سنوات طويلة لتنفيذ هجمات مدوية، يركز جهوده على محاربة الأميركيين والأنظمة السنية المعتدلة في المنطقة، وليس ضد إسرائيل”، والمقصود هنا المملكة العربية السعودية ومجموع دول الخليج، فتنظيم القاعدة اشتغل على التخريب في الدول العربية والإسلامية دون ذكر عملية واحدة قام بها ضد إسرائيل.
بالمحصلة، لن يكون ماقبل اغتيال أبو محمد المصري كما كان الحال قبله.
المعركة لابد وتتصاعد بمواجهة ملالي طهران وكنزهم المختبئة وأولها تنظيم القاعدة وقد وجد ملجأه تحت عمامات ملالي طهران