رسالة من سجينة “اشتقت لكما يا أعز الناس”
مرحبا يا نيما يا أعز الناس على قلبي
رسالة بعثت بها سيّدة معتقلة في سجون النظام الإيراني.. نظام الملالي.. إلى ابنها… رسالة كان يمكن لأي من السيدات المعتقلات في سجون الأسد أن ترسلها دونما أية تعديلات، فالسجناء هم السجناء، والجلادون هم الجلادون.
لنقرأ الرسالة دون أي تعليق:
إن كتابة رسالة لك لأمرٌ صعبٌ عليّ للغاية. فكيف لي أن أقول لك أين أنا بينما أنت بريءٌ جدًّا وأصغر بكثير من أن تفهم المعنى الحقيقي لكلمات كالسجن، والاعتقال، والحكم، والمحاكمة، والظلم؟
الأسبوع الماضي سألتَني، “يا أمي، هل ستعودين إلى البيت معنا اليوم؟” واضطررت إلى الرد أمام أعين عناصر الأمن: “عملي سيستغرق وقتًا؛ لذا سوف أعود إلى المنزل في وقت لاحق”. ثم أومأتَ برأسك كما لو كنتَ تقول إنك فهمتَ وأمسكتَ بيدي، وطبعتَ عليها قبلة حنونة طفولية بشفتيك الصغيرتين.
كيف باستطاعتي أن اشرح لك أن العودة إلى البيت ليست بيدي، وبأني لست حرة في أن أرجع بلهفة إليك، عندما عرفت أنك قد أخبرت والدك أن يطلب مني إنهاء عملي ليتسنّى لي الرجوع إلى المنزل؟ كيف أشرح لك أنه لا يوجد أي “عمل” يمكنه أن يبقيني بعيدةً عنك إلى هذا الحد؟
يا عزيزي نيما، في الشهور الستة الماضية، وجدت نفسي أبكي بدون توقف مرتين. كانت المرة الأولى عندما توفي والدي وحرمت من الحزن عليه وحضور جنازته. المرة الثانية كانت في اليوم الذي طلبتَ مني فيه الرجوع إلى البيت ولم أستطع العودة للبيت معك.
نيما يا أعز الناس، في قضايا حضانة الأطفال، قضت المحاكم مرارًا وتكرارًا أنه عندما يتعلق الأمر بحقوق الزيارة، لا يمكن أن يُترك طفلٌ عمره ثلاثة أعوام مع أبيه لـ 24 ساعة متعاقبة. ويعود هذا الأمر لأن المحاكم تظن أن الأطفال الصغار ينبغي أن لا يكونوا بعيدين عن أمهاتهم لـ 24 ساعة وأن مثل هذا الانفصال سيُفضي إلى إلحاق ضررٍ نفسيٍّ بالطفل.
غير أن نفس هذا القضاء، يتجاهل حقوق طفل عمره ثلاثة أعوام بحجة أن أمّه تسعى إلى “العمل ضد الأمن الوطني” للبلد.
وغنيٌّ عن القول إنّي لم أكن أسعى البتّة لـ “العمل ضد الأمن الوطني”، وأن هدفي الوحيد، كمحامية، هو دومًا الدفاع عن موكليّ بموجب القانون.
أريدك ان تعرف أني، كامرأة، أشعر بالفخر بالحكم القاسي الذي صدر بحقّي، ولي الشرف بالدفاع عن كثير من المدافعين عن حقوق الإنسان. وقد أثبتت الجهود الحثيثة التي بذلتها النساء في نهاية المطاف أنه بمعزل عما إذا كنا ندعمهن أو نعارضهن، فإنه لم يعد بالإمكان تجاهلنا.
كانت هذه رسالة من نسرين ستودة بعثتها من السجن إلى ابنها “نيما”، ونسرين ستوده هي محامية إيرانية لم تتردّد البتة عن فعل الصواب في إيران. فخلال مشوارها المهني الطويل والمثير للإعجاب، كشفت الظلم الذي تحمله عقوبة الإعدام، وأقامت حملات من أجل حقوق الطفل. وفي آخر ما قامت به، تحدّت القوانين المخزية التي تجبر الفتيات ممن هنّ حتى في سن التاسعة من العمر على ارتداء الحجاب أو العقاب بالسجن أو الجلد أو الغرامة. لقد حُكم على نسرين بالسجن لما مجموعُه 38 عامًا و148 جلدةً إثر محاكمتين جائرتين لأنها طالبت بمنح النساء والفتيات الخيار. وسيتوجب عليها أن تمضي 17 عامًا من عقوبة السجن هذه.
ونسرين ستوده هي أيضا أمٌّ لطفلين. إن التزامها بالعدل والمساواة لموكليها جعل السلطات الإيرانية تقف ضدها. وقد زجّت السلطات بها في السجن مرتين: مرةً في عام 2010 ومرة أخرى في عام 2018. وفي كلا المرّتين؛ فُصلت نسرين عن طفليها الحبيبين على قلبها- كما فُصل طفلاها عن أمّهما الشجاعة والمُحبّة لهما. وأثناء تلك الفترة، كتبت عددًا من الرسائل من السجن إلى ابنها نيما، الذي يبلغ من العمر الآن 11 عامًا، وإلى ابنتها مهراوه، التي أصبح عمرها الآن 19 عامًا. وكما تظهر هذه المقتطفات، فالألم النفسي الذي تشعر به نسرين لكونها على ما هي عليه- أي كشخص يجب عليه أن يدافع عن الحق مهما كان الثمن – يحملها على التشكيك في خياراتها الخاصة كأمّ. إنه وضع مجحف لأنه لم يكن من اختياراتها هي، بل فرضته عليها حكومة قمعية عازمة على تحطيمها. وكما من شأن أن يتفق كثيرون، فإن نسرين تجْهد حاليًّا أن تكون أفضل أمّ بقدر ما تستطيع، عبر إظهارها لأطفالها أن الحقيقة والعدل مبدآن يستحقان الكفاح من أجلهما – وأن كونها أمًّا جيدة لا يعني أن عليها الاختيار بين قيمها وأطفالها.
ستضيف نسرين في رسالتها ربما كلامًا لايقل تأثيرًا عما قرأناه:” لا يمكنني أن أطلب منك كأم أن تنسى وجودي وتمضي بحياتك كأنه لا وجود لي، فقط من أجل أن أجهد في عملي وأناضل بسلام ]لمناصرة حقوق الإنسان[ بضمير مرتاح. أتمنى ألا أًكون أبداً بهذه القسوة تجاهك!
إن عملي كمحامية، وهو عمل عرضة للاعتداء المستمر في إيران، يسحبني – وهذه المرة يسحب أبوك أيضًا – إلى عاصفة من الظلم والجُبن الذي يدمر مجتمع المحاميين الإيرانيين.
في هذه الأيام أفكر فيك على الدوام، وبمدى الوحدة التي تحسّ بها، وأفكر بمهراوه العزيزة، التي جعلتنا نفخر بها، والتي باتت مضطرة الآن للاعتناء بك وأن تكون ووالدتك ووالدك في الوقت نفسه.
انا أرسل لك دموعي المفعمة بالحب، أملاً أنْ تجعلك تتحمل أكثر قليلاً ظلمَ الوقت الذي نعيشه.
ابعث لك بآلاف القبلات لأني لم أرك منذ وقت طويل جدًا.