محمود أحمدي نجاد: راعي غنم يطيح بآية الله
أن يظهر الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد في حوار متلفز على محطة الجديد اللبنانية، فذلك سؤال أقله أن “الجديد” إن لم تكن في مواجهة “حزب الله”، فهي ليست في صفه، هذا أولاً، وأن يوجّه نصف رسالة لحسن نصر الله، فبقية الرسالة كان قد وجهها لبشار الأسد عبر كلامه عن رسالة لفلاديمير بوتين وقد نصحه بـ “التنحي”، وأن يظهر على “الجديد”، كداعية سلام يساوي ما بين الحوثيين والإدارة السعودية، كذلك سيحمل هذا الظهور ما يزيد عن ظهور لرئيس سابق بات يشتغل ما بعد الرئاسة “راعي غنم”.
“إذا جاء شخص مثلي، نصف حاف، وأصبح رئيسًا، فستكون ثورة مرة أخرى”، كانت تلك الكلمات الحماسية الثورية، التي قالها الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، في خطاب شهير له عام 2011، عندما كان يروي لمؤيديه ذكرياته مع الانتخابات الرئاسية لعام 2005، والتي أتت به أول رئيس من غير رجال الدين.
في الآونة الأخيرة، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في إيران ، انتشرت العديد من الشائعات والأخبار التي تتحدث عن رغبة محمود أحمدي نجاد، في الترشح للانتخابات القادمة.
كلام من هذا الطراز سيقود إلى مراجعة ولو سريعة لتاريخ الرجل.
اختفى محمود أحمدي نجاد، بعد انتهاء فترة ولايته الثانية المليئة بالأحداث الصاخبة والثورية كما يُحب أن يصفها هو دائمًا، فعلى سبيل المثال، وعلى أثر اختلاف بينه وبين الزعيم الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، على تعيين أحد الوزراء، غضب أحمدي نجاد، وعصى أوامر الزعيم الأعلى، واعتصم في منزله لمدة 10 أيام، تاركًا إدارة الحكومة وراءه، كانت تلك نقطة التحول الكبيرة في حياة أحمدي نجاد السياسية، فقد تحول الرجل من رئيس محبب لدى آية الله علي خامنئي، يؤيده جميع الأصوليين، إلى الرجل الثوري (كما يرى نفسه، ويراه مؤيدوه)، أو الرئيس الذي عصى أوامر قائد الثورة الأعلى، ويجب إزاحته من المشهد السياسي كما يري المعسكر الأصولي.
لكن، عاد أحمدي نجاد مرة ثانية للظهور بجانب آية الله علي خامنئي، عام 2014 في أحد المناسبات الدينية، وهو ما زاد من تكهنات أن الزعيم الأعلى قد غفر لأحمدي نجاد، كل أخطائه، وها هو يعود من جديد.
بعد انتهاء فترة ولاية الرئيس المعتدل حسن روحاني الأولى، انتهز أحمدي نجاد، يأس الجماهير الإيرانية من تحقيق روحاني لوعوده الانتخابية، وأعلن أنه سيرشح نفسه للرئاسة مرة أخرى، الأمر الذي دفع الزعيم الأعلى، آية الله علي خامنئي، بالتحدث علانية عن هذا الأمر، ونصحه نصيحة تعني المنع، بعدم الترشح لعدم إثارة المشاكل داخل الجمهورية الإسلامية. لكن عصيان أحمدي نجاد لآية الله تكرر مرة ثانية، وأعلن عزمه على مواصلة ترشحه؛ فمنعه «مجلس صيانة الدستور» من الترشح.
اليوم ثمة من يقول في طهران:
ـ محمود أحمدي نجاد سيترشح للرئاسة.
من يرحبون بذلك من الإيرانيين، إنما يتجاوزون “نجاد” إلى “العصيان”.. عصيان “آية الله علي خامنئي”، وفي ذلك خطوة نحو تهديم الهيكل من داخل الهيكل.
بالعودة إلى احتمالية ترشحه للانتخابات الرئاسية عام 2021، فهناك العديد من المؤشرات التي تزيد من هذا الاحتمال، بدايةً من البرلمان الإيراني الحادي عشر.
فالبرغم من أنه لا أحد يستطيع إنكار رفض المعسكر الأصولي، لأحمدي نجاد بعد عصيانه المتكرر لأوامر آية الله علي خامنئي؛ إلا أنه ما زال يتمتع بحاشية وأنصار يسيرون خلفه أينما وجد.
لقد فاز عدد من المقربين منه – من بينهم مسؤولون سابقون في حكومته – بحوالي 60 مقعدًا في البرلمان الجديد، بعد إن وافق مجلس صيانة الدستور علي ترشحهم في الانتخابات البرلمانية التي تم إجراؤها في فبراير (شباط) 2020.
يرى البعض داخل إيران، أنه إذا كان أنصار أحمدي نجاد، قد استطاعوا الفوز في الانتخابات البرلمانية، والحصول على عدد كبير من المناصب الهامة داخل البرلمان، بجانب الستين مقعدًا، فإن ذلك يرفع من قيمة السؤال:
ـ كيف لرجل يعصي أوامر قائد الثورة ويثير الفتن، أن يصبح رئيسًا مرة أخرى؟
في السنوات القليلة الماضية، دأب أحمدي نجاد على الظهور والسفر إلى كافة المقاطعات الإيرانية، وإلقاء الخطابات الحماسية والانتقادات العلانية للحكومة في أكثر من موضع . كان آخر تلك الانتقادات، التي وجهها إلى الحكومة، بخصوص الاتفاقية الاستراتيجية بين الصين وإيران، والتي ستستمر لمدة 25 عامًا، إذ كان هو أول من فجر تلك القضية في إيران، بعد أن كانت شبه سرية إلى وقت طويل.
ما زال أحمدي نجاد – ومعه أنصاره – يجوب البلاد شرقًا وغربًا، يلقي الخطب، وينتقد إدارة حسن روحاني ويلوّح بلحية خامنئي، يناهض الفساد والظلم، على أمل أن تقف تلك الجماهير خلفه، ويطالبون به رئيسًا، في حال رفض مجلس صيانة الدستور ترشحه للرئاسة، فهل يصبح نجاد رئيسًا مرة ثالثة؟
إذا ماحدث ذلك، فهو يعني:
ـ راعي غنم سيطيح بآية الله.