بولتون الذي لم يسبق أن ابتسم
جون بولتون، الدبلوماسي الأمريكي الذي لم ير العالم ابتسامته (ربما بفعل شاربه الكث الذي يغطي فمه)، والذي شغل مناصب بالغة الاهمية بدءًا من إدارة جروج بوش الابن، والموصوف بأنه “من هواة الحرب وتغير الانظمة بالقوة” يقولها :”وداعا لتغيير النظام في إيران وسوريا وليبيا وفنزويلا وكوبا واليمن وكوريا الشمالية”.
الرجل سبق قوله هذا بالدعوة مراراً وتكراراً إلى إنهاء الصفقة النووية الإيرانية”، وهاهو يعود اليوم لقرع الأجراس، فقد اعتبر مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق، في حوار مع “سكاي نيوز عربية”، أن رغبة الرئيس الأميركي جو بايدن بالعودة للاتفاق النووي مع إيران “كارثية”، مشددا على أن طهران “تمثل خطرا أساسيا على أمن واستقرار المنطقة”.
لقد قال جون بولتون في لقاء ضمن برنامج “مواجهة” إن عودة أميركا إلى الاتفاق النووي مع إيران ستكون “كارثية على منطقة الشرق الأوسط”.
قال ذلك دون أن ينسى تبرير ماقال فـ “الاتفاق النووي الأصلي المبرم في 2015، لم يكن اتفاقا جيدا لأنه لم تكن لدينا أية أدلة من إيران منذ البداية على أنها قررت بالفعل التخلي عن السلاح النووي، والاتفاق نفسه سيتيح لها مواصلة تخصيب اليورانيوم وهذا خطأ جسيم، فهو يتيح لها الكثير من التخصيب والقيام بـ70 بالمئة من عملها للوصول لسلاح نووي.. لقد ارتكبت إيران بالفعل العديد من الانتهاكات خلال ذلك الاتفاق في مسعاها لمواصلة برنامجها النووي وإخفاء الكثير عنا”.
جون بولتون أشار إلى أنه ليس من الصائب العودة إلى الاتفاق في هذا التوقيت تحديدا، قائلا: “تغير كبير طرأ على الشرق الأوسط منذ عام 2016، فقد حصل زلزال كبير في المنطقة، وخلال الأشهر القليلة الماضية كانت هناك اتفاقات بين البحرين والإمارات مع إسرائيل، ولحق بهما السودان والمغرب، وهناك دول أخرى ربما تلتحق بهذا المسعى”.
وتابع: “هذا يعني أن هناك إدراكا بأن التهديد الأكبر للشرق الأوسط هو إيران وملفها النووي وصواريخها الباليستية ودعمها للإرهابيين وتدخلها بدول في المنطقة مثل العراق وسوريا واليمن ولبنان”.
ولدى سؤاله عما إذا كان يؤيد موقف إدارة بايدن، التي تفكر في العودة إلى الاتفاق، لكن ليس بصيغته الماضية، وإنما بعد إضافة عناصر إليه تتعلق بالبرنامج الباليستي الإيراني وأنشطتها المزعزعة لاستقرار المنطقة، أبدى شكه في موافقة إيران على ذلك.
واستطرد بالقول: “ليس كافيا أن نقول إن الاتفاق الأصلي كان مقبولا وعلينا أن نضيف عناصر أخرى له، لأن إيران قامت بأشياء سيئة كثيرة.. وعندما تتيح الولايات المتحدة بناء مفاعلات نووية سلمية حول العالم، فإنها تصر على أن تكون هذه التكنولوجيا محترمة للمساعي السلمية وليس لتخصيب اليورانيوم والبلودويوم، وعندما يلتزم حلفاؤنا في المنطقة بذلك، فمن غير المنطقي أن نجد إيران تخصب اليورانيوم.. لذا يجب ألا يسمح الاتفاق لإيران بالتخصيب”.
في كلام جون بولتون رسالتين، الاولى إلى الدول العربية، وتحديدًا إلى دول الخليج العربي، فالرجل يحكي مطلاّ من “سكاي نيوز” عربي، والرسالة الثانية للإدارة الأمريكية بل ولجو بايدن شخصيًا.. في الاولى ينبه من كارثة قادمة على المنطقة، والكارثة تتلخص بسياسات القضم التي تنتهجها طهران، وهي سياسات تشتغل على البارد، فاليوم “تخصيب” وغدًا سلاحًا نوويا لن يكون هدفه سوى السيطرة على الخليج العربي مياهًا ودولاً وثروات بل وعقائد، والثانية إلى الإدارة الامريكية الراهنة التي تعيد ما أنتجته إدارة أوباما، والتي حطّت من شأن الولايات المتحدة، إلى الدرجة التي صعد فيها الملالي لمرتبة (المواجهة) بلا قيد معها.
جون بولتون، البلوماسي ليس بالرجل الذي يمكن الاسنخفاف بقراءته، فيما جو بايدن الرئيس يرغب في “شوي الخاروف وتركه يسرح”، وهي الصيغة التي لم يسبق أن لاقت نجاحًا لافي لاعالم السياسية ولا في عالم “المطابخ”.
كلام بالغ الخطورة يقوله بولتون.
القفز على هذا الكلام سيكون خطيئة استراتيجة كبرى، ثمنها أولاً المصالح والقواعد الأمريكية في المنطقة ككل، وثانيًا الخليج العربي الذي سيكون مهددًا بكل ما يملك وصولاً إلى رمال شواطئه.
ـ كلام لابد من التوقف عنده.
كلام من رجل لم يسبق أن ابتسم، لبشر سيذرفون الكثير من الدموع إذا ما استرسلت حكومة الملالي في برنامجها النووي.