تركيا من الداخل 3/3
المرأة.. ضحية تبدلات سياسية وممارسات اجتماعية
تتصاعد الانتقادات الحقوقية للوضع الذي تعاني منه المرأة التركية مع الارتفاع الكبير في معدلات العنف، التي تتعرض لها التركيات، لا سيما خلال السنوات الـ 15 الأخيرة، حيث تشير إحصائيات صادرة عن منظمات حقوقية إلى معدلات العنف ضد المرأة في تركيا زادت بنسبة وصلت إلى 75 بالمئة، خلال الفترة المذكورة.
وترجع المنظمات ارتفاع معدلات الجريمة ضد النساء، إلى مشكلات وثغرات في القانون التركي، تساعد مرتكبي تلك الجرائم على تلافي العقوبات المشددة، على اعتبار أن قانون العقوبات التركي يمنح القضاة سلطات واسعة وصلاحيات جداً تمكنهم من تخفيف العقوبات المفروضة على مرتكبي جرائم العنف ضد المرأة.
تجارب قاسية وثقافة منتشرة
من وحي تجربتها في الزواج، تقول الشابة السورية، “روعة” لمرصد مينا “العنف ضد المرأة في تركيا ليس فقط بسبب ضعف القوانين أو العقاب، وإنما أيضاً في كونه جزء من ثقافة عامة، تنظر إلى المرأة إلى أنها جزء تابع للرجل وليس نصف المجتمع، وبالتالي فإن أي خروج لها عن تلك القواعد، سواء من خلال طلب الإنفصال أو رفض الزواج أو محاولة تقرير المصير، يعني أنه تمرد منها يستوجب عقوبة من قبل الذكر صاحب الولاية عليها، كالزوج أو الأخ أو الأب”، مشيرةً إلى أنها من تجربتها الخاصة تمكنت من الاطلاع على تلك الثقافة عن قرب.
كما تؤكد أن أن مسألة العنف الأسري ضد المرأة لا ترتبط بمستوى تعليمي أو مادي أو ثقافي، وإنما هي ظاهرة تخترق كافة طبقات المجتمع التركي، مبينةً أن تلك الظاهرة تستعر أكثر مع فقدان المرأة المتزوجة حصراً، لأي سند اجتماعي من قبل أهلها أو قانون من قبل القانون، وأن الحالة السياسية والحكومية، تساعد أكثر في تعميق تلك الحالة، في ظل عدم وجود أي تحركات حكومية على أي صعيد كان للحد من تلك الظاهرة.
إلى جانب شهادة “روعة” تكشف إحصائيات منظمة “بيانيت” الحقوقية المختصة بحقوق الإنسان في تركيا، أن العام الماضي شهد ارتفاع جنوني في معدلات العنف ضد المرأة 253 سيدة تركية، قتلت خلال العام 2020، بسبب تعرضها لعنف شديد من قبل الرجل، لافتةً إلى أن العدد الأكبر منهن تعرض للعنف من قبل الزواج.
كما تبين إحصائيات الوكالة أن 715 امرأة تركية، تعرضت للعنف الأسري من قبل الرجل خلال العام ذاته، مشيرةً إلى أن عدداً من النساء تعرضن للقتل المباشر، سواء من خلال إلقائهن من شرف المنازل أو مناطق مرتفعة أو الحرق إو بالأسلحة والسكاكين.
من جهتها، تعتبر الناشطة الحقوقية، “أمينة أوزجان” أن نسبة كبيرة من حالة قتل المرأة خلال عمليات التعنييف، يجب أن يتم التعامل معها كجرائم قتل وليس فقط جرائم تعنييف، مضيفةً: “في مراجعة الإحصائيات غير الرسمية فإن أكثر من نصف النساء قتلوا بطريقة مباشرة، سواء بالطعن أو الإحراق أو غيرها وأن وفاتهن لم تكن نتيجة غير مباشرة للتعرض للضرب الشديد، ما يفرض ضرورة أن يتم التعامل معها كجريمة قتل لا يمكن التعامل فيها مع ظروف مخففة، حيث أنه لا يمكن التخفيف عن قاتل بدعوى أنه قتل ضحيته تحت تأثير الغضب”.
في السياق ذاته، تقول “أوزجان”: “العنف ضد المراة التركية لا يمكن تجاوزه أو التغلب عليه فقط من خلال القوانين والردع، وإنما من خلال وجود توجه حكومي جدي لمكافحة تلك الظاهرة، من خلال التوعية والتربية والتعليم في المدارس والعمل على معالجة الأسباب المباشرة”.
وتشير “أوزجان” إلى أن ظاهرة العنف ضد المرأة تتصاعد حتى داخل المجتمعات التركية في الدول الغربية، التي تضع قوانين مشددة لحماية المرأة من العنف، ومن بينها ألمانيا، التي يحتل الأتراك فيها المركز الأول بين الأجانب الأكثر رتكاباً للعنف ضد المرأة، بحسب إحصائيات المكتب المركزي الاتحادي لمكافحة الجريمة.
كما تتحدث “أوزجان” عن مشكلة عدم وجود إحصائيات رسمية حول العنف ضد المرأة وإن ما يتم الاعتماد عليه هو الإحصائيات غير الرسمية الصادرة عن منظمات حقوقية، والتي غالباً لا تكون دقيقة جداً، بسبب عدم تصريح الكثير من الضحايا عن ما يتعرضن له بسبب الخوف والقلق، مبينة إحصائيات تلك المنظمات للعام 2020، تحدثت عن 150 مرأة تعرضت للقتل بإطلاق النار عليها و 14 أخريات خنقاً و 66 بالسلاح الأبيض.
اتفاقية غير مفعلة
على الرغم من مرور نحو 10 أعوام على توقيع تركيا على اتفاقية اسطنبول الخاصة بحماية المراة من العنف، تؤكد الناشطة النسوية “ياسمين بكتاش”، أن الاتفاقية لم تفعل ابداً في تركيا ولم يتم العمل بموحبها، وأن ذلك ساهم باستمرار ظاهرة العنف ضد المرأة لشكل كبير، على حد قولها، لافتةً إلى أن الكثير من المجرمين الذي ارتكبوا تلك الجرائم حصلوا على أحكان مخففة أمام القضاء ولأسباب كثيرة تفتقد للأساس القانوني وتتعارض مع نصوص الاتفاقية التي تهدف إلى حماية المرأة من العنف.
يشار إلى ان اتفاقية إسطنبول هي أول اتفاقية أوروبية تستهدف بشكل خاص العنف ضد المرأة والعنف المنزلي، إذا قررت الحكومة التركية تنفيذها.
وبحسب إعلان منظمة «KCDP» المناهضة لقتل الإناث، فإن 29 امرأة في تركيا قتلن خلال حوادث عنف أسري، فضلًا عن وفاة 10 نساء في ظروف مريبة، خلال تشرين الثاني الماضي، مبينةً أن أن غالبية النساء قتلن لرفضهن عرض الزواج، أو طلب الطلاق، أو المصالحة مع أزواجهن، وفي بعض الحالات لم يكن من الممكن تحديد سبب الوفاة، وأن 86 بالمئة من النساء المتوفيات قتلن بالرصاص في منازلهن.
خارج العائلة داخل السياسة
معاناة المرأة التركية، ووفقاً لما تظهره الإحصائيات، لا ترتبط فقط بالعنف الأسري، إنما تمتد إلى الجانب السياسي في البلاد، خاصة مع وجود 18.000 امرأة في المعتقلات التركية على ذمة قضايا سياسية، حتى نهاية العام 2020، بحسب إحصائيات حقوقية غير رسمية.
كما سبق لعدد من المعتقلات السابقات في السجون التركية، قد تحدثن عن تعرضهن لممارسات وتعذيب نفسي خلال عمليات الاعتقال والتحقيق، من بينها تعرضهن للتعرية خلال خضوعهن للتفتيش لحظة دخولهن إلى المعتقل.
تعليقاً على وضع المراة السياسي في البلاد، تشير ناشطة تركية فضلت عدم ذكر اسمها لأسباب أمنية، إلى أن دور المرأة شهد تراجعاً كبيراً في قيادة البلاد، مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002، والذي وصفته بـ”الحزب الذكوري”، لافتةً إلى أن ذكر المرأة على الصعيد السياسي خلال العقدين الأخيرين ارتبط فقط بالاعتقالات، أو الظهور الرمزي لزوجات قادة البلاد في المناسبات الرسمية.
كما تعتبر الناشطة أن سياسات حكومة حزب العدالة والتنمية وإقصاءها من الحياة السياسية، تسبب بشكل مباشر في ترسيخ النظرة للمراة على أنها تابع في المجتمع الذكوري، وغذا النزعة الذكورية في تركيا، مشيرةً إلى ان المراة كان لها دور كبير في الحياة السياسية قبل عام 2002، والذي تجلى عام 1993 بوصول ” تانسو تشيلر”، إلى منصب رئاسة الوزراء، والتي استمرت في منصبها حتى العام 1996.
وتتساءل الناشطة التركية: “اليوم أين هي المرأة التركية، في ظل الحكم الحالي، هي إما في المعتقلات أو القبور أو ضحية عنف تقتل وتنتهك بدماء باردة، هذا هو واقع المرأة طيلة عقدين من الزمان”، معتبرةً أن النساء كن ضحايا لسياسات الحكومة القائمة، حالهن حال الكثر من جوانب الحياة في البلاد، كما الاقتصاد والحقوق والحريات.
إلى جانب ذلك، تكشف الناشطة عن وجود الكثير من الأمهات في السجون التركية، الموقوفات مع أبنائهن، مرجحةً أن يكون عدد الأطفال الموقوفين مع أمهاتهم قد وصل نهاية العام الماضي إلى نحو 1000 طفل، بالإضافة إلى وجود نساء حوامل في المعتقلات وضعن حملهن خلال فترة اعتقالهن.