الأدميرالات الأتراك، هل يصفّرون في مقبرة؟
وكالة أنباء الأناضول، شنّت هجومًا بالغ الشراسة على مجموعة من الضباط االمتقاعدين من البحرية التركية، وكذا فعل الإعلام التركي المحازب للرئيس رجب الطيب أردوغان.
القصة قد تكون أبعد من بيان إعلامي، وكانت ابتدأت مع بيان أصدره (103) من الأدميرالات المتقاعدين، انتقدوا عبره مقترح انسحاب تركيا من المعاهدة الدولية التي تنظم الشحن عبر مضيق البوسفور والدردنيل اللذين يربطان البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأسود.
وشبه نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي الموقعين على البيان بـ “صفير الجبناء في مقبرة”، وكتب نائب رئيس الحزب الحاكم في تركيا نعمان قرطومولوش على “تويتر” أنهم “عشاق تركيا القديمة الذين يرون أنفسهم فوق إرادة الأمة”.
كان بيان الأدميرالات قد جاء ردًا على تصريح لعضو بارز في حزب العدالة والتنمية يقول بـ ” إمكانية مغادرة اتفاقية مونترو لعام 1936 و إنشاء قناة ملاحية شمال إسطنبول تتجاوز مضيق البوسفور”.
الأدميرالات المتقاعدون قالوا في بيانهم “إنه من المثير للقلق أن تطرح اتفاقية مونترو للنقاش في نطاق المحادثات حول قناة إسطنبول والانسحاب من المعاهدات الدولية”.
وجاء في بيانهم أيضًا “نعتقد أنه ينبغي الامتناع عن أي نوع من التصريحات والأفعال التي من شأنها أن تؤدي إلى مناقشات بشأن اتفاقية مونترو، التي تحتل مكانة مهمة في بقاء تركيا”.
ليس بيان الأدميرالات بحد ذاته ما أثار قلق وسخط الرئيس أردوغان، ما أثار سخطه أنه صدر عن مؤسسة عسكرية اعتادت على الطاعة المطلقة والصارمة لحكومة العدالة والتنمية وللرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وموقفهم هذا ما لبث أن تم تقييمه في الأوساط المقربة من أردوغان على أنه بمثابة انقلاب .
103 من الضباط المتقاعدون الموقعين على البيان الجماعي، أوضحوا أن اتفاقية مونترو حمت حقوق تركيا بأفضل طريقة، مؤكدين أنه يجب على تركيا أن تحافظ على التزامها باتفاقية مونترو التي مكنتها من سلوك دور حيادي في الحرب العالمية الثانية.
بيانهم أدان ابتعاد القوات البحرية التركية عن القيم الأساسية للدستور، والتي لا يمكن تغييرها ولا يمكن اقتراح تغييرها، وعن المسار المعاصر الذي رسمه أتاتورك.
الضباط طالبوا أردوغان خلال بيانهم بالتراجع عن تنفيذ مشروع قناة إسطنبول، وحذروا في الوقت نفسه من المساس باتفاقية مونترو الخاصة بحركة المرور في البحر الأسود.
الأدميرالات البحريون قالوا في بيانهم المنشور على شبكة الأخبار العلمانية القومية أنهم يشعرون بقلق بالغ من خطوات أردوغان من المساس باتفاقية مونترو بشكل خاص بما يعد خطوة للتنصل من اتفاقيات دولية بالغة الأهمية حفظت لتركيا كيانها الجغرافي ومكانتها بين دول العالم كدولة تحترم المواثيق الدولية وعدم التعدّي على حقوق الآخرين.
وكانت اتفاقية مونترو، الموقعة في سويسرا عام 1936، قد منحت تركيا حقوق السيطرة على مضيقيها، مضيق البوسفور والدردنيل ، مع قصر مرور السفن الحربية من المضيق على الدول التي لها حدود على البحر الأسود فقط.
ووصف الأدميرالات الاتفاقية بأنها “أكبر انتصار دبلوماسي منفرد أكمل معاهدة لوزان للسلام” التي حددت معظم حدود تركيا الحديثة في عام 1923، وقالوا إن المضائق التركية كانت “من بين أهم الممرات المائية في العالم”.
وأضافوا أن الاتفاقية سمحت لتركيا بالبقاء على الحياد خلال الحرب العالمية الثانية ، وتضمن السلام في البحر الأسود بشكل عام.
من يتابع ردود الأوساط المقربة من أردوغان، سيلحظ بلا شك، أن ثمة حملة ستطال “الجيش” في تركيا، وبطبيعة الحال بذريعة “التخابر مع جهات أجنبية” أو بذريعة “الاعداد لانقلاب”.
من تصريحات جماعة أردوغان كان اللافت تصريحًا لرئيس البرلمان التركي مصطفى شنتوب، قال فيه” الشعب التركي دفن جميع عشاق الانقلاب”، وأضاف: “لسنوات عديدة، المتقاعدون، الذين لم يظهروا في الجبهة ضد أعداء الوطن ومع الأمة، يتعاملون مع سماسرة الفوضى بأجنداتهم الخاصة، لقد دفنت أمتنا جميع عشاق الانقلاب”.
وكان شنتوب أثار الجدل بسبب حديثه، عن حق تركيا في الانسحاب من أي اتفاقية دولية حتى ولو كانت اتفاقية مونترو، وذلك في معرض دفاعه عن انسحاب الرئيس أردوغان من اتفاقية إسطنبول، وتأكيده أن القرار الرئاسي لا يخالف الدستور.
رئيس دائرة الاتصالات في الرئاسة التركية، فخر الدين ألتون، علق على البيان، قائلا: ” اعرفوا مكانكم! من أنتم؟ بأي حق تشيرون بإصبعكم إلى الممثلين الشرعيين للإرادة الوطنية؟ تركيا دولة قانون. لا تنسوا هذا أبدا.. الوصاية لن تتمكن من ديمقراطيتنا مرة أخر”.
أما وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، فقال مهددا الضباط بالاعتقال إن “الأمة التركية العظيمة تعشق الزي الرسمي، وإنه لشرف كبير أن يرتدي الزي الرسمي، وإنه لشرف أكبر أن يحملوا هذا الشرف بعد التقاعد، ودائما يتذكرون بامتنان أولئك الموالين للديمقراطية والدولة والأمة، والذين لا يجعلون زيهم مادة سياسية”.
وكان الأدميرالات قالوا: “إن أهم درس يمكن استخلاصه من هذه المؤامرات هو أن القوات المسلحة التركية يجب أن تتمسك بدقة بالقيم الأساسية غير القابلة للتغيير والمرتبطة بالدستور” ، في إشارة إلى المادة التي تعرف تركيا كدولة علمانية وديمقراطية في ظل سيادة القانون.
وقالوا في بيانهم:”لهذه الأسباب ، ندين محاولات جعل الأمر يبدو وكأن القوات المسلحة التركية والقوات البحرية لدينا قد تركت حدود هذه القيم، مبتعدة عن المسار المعاصر الذي رسمه أتاتورك، ونعارضها بكل ما لدينا. خلاف ذلك، قد تواجه جمهورية تركيا خطرا وتهديدا حقيقيا قد يشكل خطورة على بقائها”.
في تركيا اليوم، كل الأنظار تتجه إلى الجيش، بل وإلى تصفيات داخل المؤسسة العسكرية والذريعة متوفرة، والبداية ستكون مع اولئك الأدميرالات الذين لابد ويتعرضون لملاحقة واتهامات بالخيانة واتهامات كيدية أخرى تنال من وطنيتهم وانتماءهم لبلادهم وذلك تمهيدا لمحاكمات طالت عشرات الوف الجنود والضباط الأتراك الذين تغص بهم السجون الآن.
وبالنتيجة، يبقى السؤال:
ـ هل ستشهد تركيا حركة مضادة من الجيش بمواجهة أردوغان؟
ربما نعم.
وربما لن يكون الأدميرات سوى “صفير في مقبرة” على حد قول نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي.