ملالي طهران.. عمامات ضخمة على رؤوس ضحلة
متاهة من الأزقة والمنازل المتراصة فوق بعضها بعضا، مساكن محرومة من التنفس يقطنها الإيرانيون.. ليس أمرًا جديدًا هذا، ولم يأت كناتج عن العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، كان الإيرانيون يعيشون هذا الحال حتى قبل العقوبات، لكن العام الأخير دفع بكثير منهم إلى الحافة.
لقد ارتفعت أسعار السلع الغذائية أكثر من الضعف، ويكافح كثيرون من أجل العثور على عمل، وتلبية احتياجاتهم، بسبب تراجع الاقتصاد.
متوسط الاجور في ايران دولارين في اليوم، دولاران لايكفيان للغذاء أو لارسال طفل الى المدرسة، ولا يعتقد معظم الايرانيون، بأن حربًا ما، ستنجيهم.. الحرب ستغرقهم إلى المزيد والمزيد، اما الذين يريدون الحرب، فهم أولئك الذين غرقوا في اليأس اكثر حتى يتمنونها بوصفها وسيلة لإسقاط النظام لا للانتصار على (الشيطان الاكبر).
ـ الشيطان الاكبر في قم.
هذا ما يقوله شاب إيراني، انتمى يوماً ما إلى المرجعية الدينية ومن ثم اكتشف أن لادين للمتدينين.
الخوف من الحرب، قد يكون من “الحرب الأهلية”، وهي واردة، بل واردة جدًا، فحين يكون النظام على هذا النحو من البطش / الفساد / غياب العقل، فلتكن الفوضى.
ـ كثيرون في إيران يرون الأمر على هذا النحو.
في عام 2009، خرج الناس إلى الشوارع احتجاجا، عقب إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد آنذاك، المثير للخلاف.
ووصفت الاحتجات آنذاك بأنها “ثورة خضراء”، متابعة للون الذي كان يستخدمه أحد مرشحي الرئاسة المعارضين الذين لم يفوزوا، وهو مير حسين موسوي، الذي مازال يعيش قيد الإقامة الجبرية منذ ذلك التاريخ.
وقمعت السلطات الاحتجاجات الحاشدة بشدة، وقالت بإصرار إنه ليس في إيران حركة معارضة قوية.
ولكن تلك بلاد تتمتع بأراء سياسية متعددة كثيرة.
ففيها محافظون متشددون من المتدينين، وليبراليون، وأغلبية لا تريد رفع رؤوسها.
هو الحال كذلك، ووسط هذه الحال، لم تعترف سلطات بلادهم بأن العالم تغير، وأن الشعب الإيراني وبأكثريته الساحقة قد سئم نظاما ليس لديه ما يقدّمه غير البؤس والفقر.
الفقر والبؤس ومزيج من وهم الانتصار، وآخر الأوهام، وهم النجدة الروسية / الصين للحكم هناك.
وكيف؟
ـ بمواجهة إسرائيل كما تدعي القيادة الإيرانية.
ياللغفلة، أو يا لسوء القراءة.
بل والأصح يالسوء النوايا، فالقيادة الإيرانية لديها من الذكاء ما يكفي لمعرفة أن كلا البلدين يرتبطان بعلاقة بالغة التقدم مع إسرائيل وأن البلدين اللذين تعتمد عليهما في مشروعها التوسّعي وهما الصين وروسيا على علاقة أكثر من طيّبة مع إسرائيل. كذلك، أن لكلّ من الصين وروسيا مصالح في المنطقة كلّها تتجاوز إيران. لا يمكن للبلدين تجاهل هذه المصالح الممتدة من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، إضافة بالطبع إلى أوروبا والولايات المتّحدة نفسها وأفريقيا. تظلّ أميركا الشريك التجاري الأكبر للصين على الرغم المنافسة القائمة بينهما والتي اشتدت في هذه المرحلة بالذات. وفي هكذا حال لن تكون ايران سوى مادة ثانوية في الكتاب الصيني.
نظام يقوم على الإنكار.. إنكار كل ماهو مرئي حتى للعين المغمضة.
في العراق مثلا.. كان العراق تحت السيطرة المباشرة لإيران، ولكن التغيير حصل.. فالعراقيون لم يعودوا إلى وهم أن إيران حلا، لا بل ينظرون اليها باعتبارها المشكلة، وليس أدل على ذلك من تظاهرات الشباب العراقي الذين رافقوا صرخاتهم بالبصاق على صور الخميني، بمن فيهم الشباب الشيعي من العراق، بل كان شباب الشيعة أكثر صراخًا وبصاقًا على صورة الخميني.
أين نجحت إيران؟ في أي بلد دخلته؟
كشف الوقت أن إيران غرقت في الوحول السورية حيث لا تجرؤ على الرد على الضربات الإسرائيلية المتتالية. أمّا في لبنان، فكل ما نجحت فيه إيران هو تفليس بلد وتهجير شعبه وتدمير مؤسساته عن بكرة أبيها. وهام اللبنانيون يعانون الجوع والعوز بسبب إيران التي أصرّت على الإتيان بميشال عون رئيسا للجمهورية.
يبقى اليمن. يصعب إيجاد كلمة إيجابيّة واحدة في وصف النفوذ الإيراني الذي زاد المأساة اليمنية عمقا على كلّ المستويات.
في قطاع غزّة الفلسطيني الذي تسيطر عليه “حماس” المتحالفة مع إيران. ماذا جنى الفلسطينيون من إيران غير دفعهم إلى الانتحار وتحويل غزّة إلى سجن في الهواء الطلق لمليوني فلسطيني؟
فوق كل هذا وذاك، من يستطيع إنكار أن الذراع الإسرائيلي امتدت إلى (الحلق) الإيراني، لتصبح إيران ملعبًا للاختراقات الإسرائيلية، ولم يكن أولها اغتيال قاسم سليماني، ولا آخر تخريب نطنز النووي؟
نسمع من إيران كل الكلام الكبير، كلام يحكي عن الرد.. اي رد؟
هناك طريقان أمامها. الأوّل الاستمرار في إطلاق الكلام الكبير الذي لا معنى له، خصوصا أن ذلك ثبت بعد اغتيال الأميركيين لقائد فيلق “القدس” قاسم سليماني في الثالث من كانون الثاني – يناير 2020 وبعد اغتيال الإسرائيليين العالم النووي محسن فخري زادة قرب طهران. يترافق الكلام الإيراني الكبير وعن “ردّ مزلزل” على أميركا وإسرائيل مع إمعان في تخريب العراق وسوريا ولبنان واليمن.
طريقان للرد أمام الإيرانيين:
ـ الرد بالكلام الكبير، أو الرد بالكلام لكبير.
يظهر أن الملالي اعتادوا تكبير رؤوسهم بالعمامات.
رؤوس تزداد ضآلة، وعمامات تزداد تضخمًا.