دراما أردوغان التلفزيونية: “إذا أمرتك الدولة بالموت تموت، وإذا أمرتك بالحياة تحيا”
وقد أضافت الاستخبارات التركية إلى منتجاتها من ماركة “خطف، اغتيال، سجون وقتل”، منتجات تتصل بالدراما، كان من منتجاتها مسلسل بعنوان “المنظمة”.
يمكن اختزال المقولة الاولى للمسلسل بكلمتين “”إذا أمرتك الدولة بالموت تموت، وإذا أمرتك بالحياة تحيا”، ودون شك، فهو مسلسل لاتنقصه لا التقنية ولا الخبرة، وهو الأول من نوعه رسمياً من انتاج المخابرات التركية، ويعرض على القناة المملوكة حكومياً تي أر تي ليستعرض بطولات الـ “MIT”، مستعينًا بالتشويق الهوليودي، ليكرّس فيما يكرّس فكرتين:
الأولى محاربة الإرهابيين العرب، والثانية العثمانية بوصفها الطريق إلى الجنّة، ومن هذه البوابة يدخل أبطال المسلسل الإرهابين “العرب”، وقائدهم شخصية شريرة باسم “زايد فادي” بإشارة ربما إلى الإمارات العربية المتحدة.
تبدأ خيبات المسلسل بالبرومو حيث يصور المشهد عملية اختطاف عناصر الأمن التركي لشخص مدني من وسط الشارع وفي وضح النهار و “ضبه” في فان الفولكس فاكن لتذكر المشاهد بعمليات اختطاف معارضي أردوغان المستمرة إبان الانقلاب المزعوم، وقد باتت من عاديات العمل الأمني التركي.
في أولى حلقات المسلسل وفي “عملية نوعية” يتم اختطاف أحد الأشرار من الشمال السوري من مجموعة إرهابية وقد تبرأت المخابرات التركية من المنظمات الإرهابية في إدلب وغيرها. وبدعم من “البيرقدار” ومروحيات الجيش التركي يتخلص ضابط المخابرات من ملاحقة الإرهابيين السوريين وينجح بإنجاز مهمته.
أثار شعار المسلسل المذكور سابقاً رواد مواقع التواصل الاجتماعي مستنكرين “هل تكون الدولة للشعب أم الشعب للدولة” لم يقصد منتجو المسلسل المعنى الحديث للدولة، أرادو ملامسة مشاعر الجمهور بالإشارة إلى المعنى التقليدي للدولة، الدولة العلية دولة تدوم للأبد Devlet-i Ebed-Müddet هذا مايفهمه جيداً الجمهور الإسلاموي. من هنا كان صراع أبطال الـ “MIT” مع أشرار مثلهم العربي زايد وهم يحاولون منع بعث الأمة التركية وتمدد نفوذها بالمنطقة.
لم يكتف صناع العمل بالإشارة إلى دولة الإمارات باسم إحدى الشخصيات ففي إحدى مهمات الضابط التركي وللمرور على حاجز للدولة الإسلامية “داعش” أظهر بطاقة هوية إماراتية للمرور على الحاجز بسلام، يتحدث المسلسل عن محاولة “الأشرار” النيل من قدرة طائرة البيرقدار التي يصورها العمل بأنها أمنت تفوقاً عسكرياً تركياً على كل دول المنطقة. في سبيل ذلك تتحالف منظمة “زايد” مع الـ “بي كي كي” ومع تنظيم الدولة الإسلامية.
“لا يمكنك الهروب من الدرون التركية” شعار تسويقي يتكرر في المسلسل، ليس سراً أن الرئيس التركي وأفراد من عائلته وشركاء له يستفيدون مباشرة من مبيعات الصناعات الدفاعية التركية لا سيما طائرة الدرون “بيرقدار” التي يرأس صهر الرئيس قسم التكنولوجيا فيها.
يعرض المسلسل في جو من التهدئة بين تركيا ودول الخليج العربي ومصر وقد تم الإعلان عن زيارة لوفد من تركيا إلى مصر مطلع الشهر المقبل. بعد سنوات من توتر العلاقات بين الجانبين المصري التركي والخليجي التركي لاسيما المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.
المسلسل، خطوة متقدمة للبروباغندا التركية، فقد ركزت دهرًا على جيش يقوده “هرقل”، غير أن كلام المعلقين الأطلسيين، عن جيش هرقل، أحال البروباغندا التركية إلى خشب محترق، كان قد توخى إثارة الهلع.
ـ هلع من؟
هلع اليونان على سبيل المثال لا الحصر، سوى أنه لم يعد قادرًا على إثارة الهلع، فحفنة من المقاتلين الحفاة كانت قد لوت عنقه، وأضاعته على أرض المعركة.. حدث ذلك ألف مرة ومرة في جبال قنديل.
والمسلسل يبعث بالرسائل.
رسائل لمن؟
رسائل للجيش التركي، وكاد اردوغان يتهم الضباط بالخيانة ويأمر باعدامهم، عندما لوّح بالنزول، شخصياً، بثياب الميدان، لانتزاع سراقب قبل أن يتوجه الى موسكو.
آلاف القذائف المدفعية، وبمؤازرة الطائرات المسيرة، لم تتمكن من أن تهز الدفاعات عن المدينة. التقارير قالت ان فلاديمير بوتين كان يتابع الوضع على الأرض، دقيقة بدقيقة. رجب طيب اردوغان وصل الى موسكو حافي القدمين وحافي الرأس أيضًا وكان عليه أن يحتاط من أن يأكله جيشه.
والحال كذلك، لم لايكون الجيش بمواجهة “MIT” الجهاز الذي يتحكم بهمسات الأمة التركية؟
والحال كذلك لم لايستبدل الجيش عن بكرة أبيه مادام جيش قابل للانقلاب على “السيد”، وسط معلومات مذهلة حول عمليات التطهير التي قام بها عقب المحاولة الانقلابية عام 2016 للمؤسسة العسكرية التي لابد وأن تتحول إلى مؤسسة شبه فارغة من الأدمغة.
«الجيش الجبار». هكذا وصفه عصمت اينونو، خليفة أتاتورك الذي اتخذ اسماً لعائلته من اسم النهر(اينونو) الذي هزم اليونانيين على ضفافه. اين هو… «الجيش الجبار» الآن ؟
منذ سنوات، واردوغان يمشي على قرع الطبول بعدما كان يعتبر أنه بات على قاب قوسين أو أدنى من احياء السلطنة، ودون أن يتنبه الى أن الخطوط الحمراء تحدق به من كل حدب وصوب وبأن المخاطر تأتيه من الجيش أولاً.
ـ ماتبقى لاردوغان هو الـ”MIT”، وبلاه سيسقط دونكيشوت عن حصانه.
لهذا كان المسلسل.
رسائله للجيش أولاً.
ولهذا كانت افتتاحية المسلسل:
“إذا أمرتك الدولة بالموت تموت، وإذا أمرتك بالحياة تحيا”