بانتظار اغتيال محمد جواد ظريف
رجل لايستفز، ولا يغضب، ليس قصيرًا وليس طويلاً.. له من السنتيمترات ما يكفيه، لايشبه الملالي، حتى تكاد تعتقد أنه نزل بـ “الباراشوت” فوق رؤوسهم، أما عن الغضب، فبلا شك لم يكن الرجل عاجزًا عن بلع غضبه، سوى أن الغضب قد نال منه كما يرى الكثير من متابعي وقائع الأيام الأخيرة للرجل.
نقول أيامًا أخيرة، ذلك أن الهجمة عليه، تنذر بواحد من احتمالين:
ـ إما صرفه الى بيته مرفقًا بالاقامة الجبرية.
وإما طلقة طائشة تصيبه في مقتل.
تعدى الرجل حدوده، بتصريحات مسرّبة ينتقد فيها تدخّل الجنرال قاسم سليماني في السياسة الخارجية، ويتطرّق إلى غيرها من الأمور، ليكون من المرجح أن تصل ارتدادات التسريب إلى إلى مستقبله السياسي.
في الوقائع كان تسجيلاً لظريف قد بث منه أجزاء يوم الأحد 25الفائت نيسان/ أبريل عبر قناة «إيران انترناشيونال» الناطقة بالفارسية، وبحسب ما أعلن المتحدث باسم الحكومة الايرانية، فإنّ الملف الكامل للتسجيل كان مقرّراً أن يُحفظ في مكتب مجلس الوزراء بشكل مصنّف «سرّي»، على أن تُحفظ نسخة مختارة من كلّ حوار بالتوافق مع الشخص الذي أجريت معه المقابلة، في مؤسّسة وطنية ما للدراسات، ومن ثمّ تُنشر وتوضع بتصرّف الجمهور. بيد أن تسريب مقابلة ظريف بما تضمّنته من تصريحات غير معتادة، وبالتحديد في الوقت الذي تُجرى فيه المفاوضات النووية في فيينا، كان وقعه بمنزلة زلزال هزّ البيئة السياسية الإيرانية، وخصوصاً أن ظريف يُطرح كمرشّح محتمل للرئاسيات.
ماذا قال ظريف؟
وفق ما نقلته اللبنانية (الأخبار)، وهي القريبة من إيران، ومن “حزب الله اللبناني”، يبدو أن وزير الخارجية الإيراني، ظنّاً منه أن المقابلة ستبقى طيّ السرية، أدلى بتصريحات تبتعد كلّ البعد عمّا يدلي به بشكل رسمي. فعلى الرغم من أن تسجيل مذكّرات المسؤولين السياسيين في أيّ دولة يعدّ أمراً مألوفاً، إلّا أنّ هذه المذكّرات تُنشر، عادة، في نهاية مهمّة ومسؤولية هؤلاء الأشخاص. من هنا، يكمن التحدّي الذي يواجهه ظريف في نشر كلام غير معتاد صادر عنه، بينما لا يزال يترأّس الدبلوماسية الإيرانية. وكان الجزء الذي أثار الانتقادات، من ضمن تصريحاته، هو إلقاؤه باللوم على دور الحرس الثوري، وعلى وجه التحديد قاسم سليماني، القائد السابق لـ”فيلق القدس”، في تهميش دور وزارة الخارجية، وكذلك انتقاده للسياسات الروسية إزاء الاتفاق النووي.
في التسجيل إياه قال ظريف، إن «الدبلوماسية» هي التي راحت ضحية «الميدان العسكري» في الجمهورية الإسلامية. وأضاف: «لم يحصل أن طلبت من الفريق سليماني أن يوقف مثلاً العمليات الفلانية مؤقتاً، لكي نحقّق تقدّماً في المحادثات. ليس من منطلق عدم رغبتي بذلك، فالفريق سليماني لم يكن ليوافق. لكن في المقابل، حصل مراراً أنه كان يطلب منّي أن أتابع في المحادثات المقبلة الموضوعات الفلانية». وفي جانب آخر من المقابلة، اتّهم ظريف روسيا “بوضع العصيّ في دواليب مسار الاتفاق النووي”، معتبراً أن «هدف الروس كان يتمثّل في ألا يُنجز الاتفاق النووي»، متابعاً أنهم «عندما رأوا أننا نقترب من إنجاز الاتفاق، بدأوا بوضع العقبات». وفي السياق نفسه، أشار الوزير الإيراني إلى أن الزيارة التي قام بها سليماني، عام 2015، إلى موسكو، ولقاءه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تمّا بإرادة من موسكو لا من طهران، موضحاً أن «روسيا وجّهت دعوة إلى الفريق قاسم سليماني لزيارة موسكو بهدف نسف منجزات الاتفاق النووي». وزاد: “نزعم أن السيد سليماني دفع بوتين إلى خوض الحرب (في سوريا)، بيد أن بوتين كان قد اتخذ قراره. لقد دخل بوتين الحرب، لكن من خلال القوات الجوّية، بيد أنه دفع أيضاً بالقوات البرّية الإيرانية إلى الحرب. وحتى ذلك الحين، لم نكن نملك قوة برّية. فقد تطوّع السوريون والعرب والأفغان”.
ردود الفعل على التسجيل باتت أبعد من الوزير “ظريف”، فالتباينات في مواقف السلطات الإيرانية تصل إلى حد (تشقيف) البيت الإيراني من الداخل..
ـ الرئيس حسن روحاني رأى أن «تسريب الشريط المسجّل للحديث غير العلني لوزير الخارجية، محمد جواد ظريف، في وقت تُسجِّل فيه محادثات فيينا أفضل نجاح، يهدف إلى إثارة الخلافات الداخلية في البلاد»، مشدّداً على ضرورة كشف المسؤولين عن تسريب هذا الشريط.
ـ المتحدّث باسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي، قال بأن روحاني أوعز إلى وزارة الأمن بتحديد الضالعين في التسريب، الذي وصفه بأنه “سرقة”، عادّاً إيّاه “مؤامرة ضدّ الدولة والتماسُك الداخلي والمؤسّسات الفاعلة والمصالح القومية”.
تعليق ظريف على ظريف كان: “هذا الحديث هو بحث نظري سرّي حول ضرورة تفعيل الدبلوماسية والميدان، الهدف منه هو نقل تجربة ثماني سنوات إلى المسؤولين المستقبليين”. وأضاف: «المؤسف أن هذا الحديث تحوّل إلى مناوشات داخلية واستغلّه البعض للانتقاد الشخصي».
ـ بعض النواب، ووسائل الإعلام المقرّبة من الحرس الثوري، وصفوا ما ورد في التسجيل بـ«الخيانة»، معتبرين كلام ظريف عن سليماني بمنزلة “إهانة” وطالب عدد منهم بتدخّل المجلس الأعلى للأمن القومي والسلطة القضائية للتعاطي مع وزير الخارجية.
ـ رئيس مجلس الشورى، محمد باقر قاليباف، لمح في تغريدة له على موقع «تويتر»، إلى أن الانتقادات الموجّهة إلى سليماني «انتهازية لتحقيق مآرب سياسية
ـ إسماعيل كوثري، وهو من قيادات الحرس الثوري، طلب من ظريف بأن يدخل “الميدان العسكري ليرى ماذا يحدث هناك”.
وكان الموقف اللافت واللغة اللافتة من نصيب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، علي شمخاني، الذي قال “السياسات الحاسمة للدولة في الميدان والدبلوماسية كانت ولا تزال حصيلة الحوارات المقنعة والخافية على النظرة السامّة للأغيار غير المرحّب بهم والأعداء”.
ـ في الصحافة رأت صحيفة “إيران” الحكومية أن “معارضي حكومة روحاني هم مَن يقفون وراء تسريب التسجيل الصوتي لظريف”. صحيفة «كيهان» الأصولية، اتهمت الحكومة، بتسريب التسجيل الصوتي، بهدف ما وصفته “الهرب من عار السجل الخاوي” للحكومة، في أيّامها الأخيرة.
وكالة أنباء «فارس»، التابعة للحرس الثوري، من جهتها، توجهت إلى ظريف بالقول إن «الشهيد سليماني أمدّكم بالسند والدعم في المحادثات، من خلال تعزيز محور المقاومة، لكنكم لم تستطيعوا تحويل ذلك إلى مادّة بيدكم»، مضيفة: «لقد ضحّى (سليماني) بنفسه لكي ينتعش الميدان وتحيا الدبلوماسية، لكنه بات اليوم متّهَماً بأن الدبلوماسية دفعت ثمن عمله في الميدان»،
صحيفة «اعتماد» الإصلاحية، قدمت بدورها، دعماً لكلام ظريف، مشدّدة على أن «المسؤولية النهائية لتنفيذ السياسة الخارجية يجب أن تقع على عاتق وزارة الخارجية، وأن تعمل باقي المؤسّسات بالتنسيق معها»، متابعة أن “القوة العسكرية يجب أن تكون سنداً لدبلوماسية البلاد، لا عقبة تعيق طريقها”.
وفي الخلاصة ارتفع التوتر داخل أجهوة السلطة.. تيارات السلطة.. رموز السلطة وشخصياتها، أما “ظريف” الوزير الأنيق الذي يخلو رأسه من العمامة، فبلاشك سكون حاسر الرأس أقرب إلى المقصلة، مقصلة الملالي ورجال الحرس الثوري.
ليس بعيدًا ذلك اليوم الذي نقرأ فيه:
ـ في ظروف غامضة اختفى الوزير الغامض محمد جواد ظريف.
رجال قاسم سليماني هم رجال المخلب، لارجال الكلام.