تطورات غير مسبوقة.. هل تعود ليبيا إلى حكم الوفاق مجدداً؟
مرصد مينا – هيئة التحرير
لم تمض أيام قليلة على مغادرة الوفد الوزاري التركي للأراضي الليبية، ليبدأ بالتزامن مع ذلك تحركٍ عسكري من الميليشيات؛ يتمثل باقتحام المجلس الرئاسي، وذلك في أخطر تطورٍ يشهده الملف الليبي منذ اندلاع الحرب قبل سنوات.
يشار إلى أن عملية الاقتحام تمت بعد اجتماع لقادة الميليشيات، الذين ربطوا الاقتحام بعدة مطالب على رأسها إقالة وزيرة الخارجية، “نجلاء المنقوش”، بعد أيامٍ قليلة من مطالبتها تركيا بإخراج الميليشيات الأجنبية، كما طالبوا بوقف قرار تعيين رئيس جهاز المخابرات “حسين العايب” والإبقاء “على عماد الطرابلسي”.
بين الزيارة والاقتحام تفاصيل تدور خلف الكواليس
التقارب بين توقيت مغادرة الوفد التركي والتصعيد في طرابلس، لا يمكن اعتباره صدفة، بحسب ما يقوله الخبير في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، “عمرو عبد الدايم”، لافتاً إلى أن الميليشيات أعطت بوضوح ثلاث مؤشرات تدل على وجود رابط بين تحركها وبين التوجيهات التركية، في مقدمتها المسافة الزمنية القصيرية بين الحدثين، والمطالبة بإقالة الوزيرة المطالبة بإخراج القوات الأجنبية والتمسك بضباط مدعومين تركياً.
كما يلفت “عبد الدايم” إلى أن تركيا تريد من خلال هذا التحرك أن تثبت أن نفوذها في ليبيا لا يزال قوياً حتى مع التبدلات السياسية الحاصلة ورحيل حكومة الوفاق، وهو النفوذ الذي يمكنها من توجيه تهديد مباشر لرأس السلطة الجديدة واتخاذ خطوات غير مسبوقة في ليبيا، مضيفاً: “تركيا تريد من البداية طرح نقاط قوتها وفرض نفوذها على الحكومة الجديدة عبر إظهار قدرتها على طرد من يعاديها وإبقاء من يواليها في الحكم، وفي حال انصياع المجلس لمطالب قادة الميليشيات، فإن ذلك سيعيد ليبيا إلى نقطة الصفر وكأن حكومة الوفاق ستعود إلى الحكم مجدداً مع اختلاف الوجود”.
يذكر أن مقاطع فيديو متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، أظهرت محاصرة عناصر الميليشيات لمقر اجتماع المجلس الرئاسي الليبي، وتطويق محيطه بالكامل بالعشرات من العربات العسكرية المجهزّة وسيارات رباعية الدفع.
تعليقاً على الحادثة، يلفت المحلل السياسي، “صالح بن عطية” إلى وقوع عدة أحداثٍ وراء كواليس الفترة الممتدة من مغاردة الوفد التركي إلى لحظة اقتحام المجلس، مشيراً إلى أن من بين تلك الأحداث قرار تركي بإحداث تصعيد كبير ومحدود في ليبيا من شأنه إظهار مدى قوة الميليشيات الليبية الموالية لتركية، وهو ما يفسر استخدام قوة عسكرية مفرطة نسبياً في عملية اقتحام المجلس، على حد قوله.
إلى جانب ذلك، يشير “بن عطية” إلى أن التحركات الأخيرة قد تبعث حالة قلق لدى المسؤولين الليبيين وتمنعهم من التعبير عن مواقف مطالبة بانسحاب الأتراك والميليشيات الأجنبية ما قد يؤثر على أولوية ذلك الملف، معتبراً أن هدف وجود وزير الدفاع التركي، “خلوصي آكار”؛ ضمن الوفد الوزاري التركي، الذي زار ليبيا، هو التأكيد على القوة العسكرية التركية وترسيخ قواعدها العسكرية في على الأراضي الليبية.
يذكر أن “آكار” قد أكد خلال الزيارة إلى ليبيا، أن الجيش التركي موجود في ليبيا من أجل حماية حقوق ومصالح الليبيين ومساعدتهم، وذلك خلال لقاء عقده مع الجنود الأتراك في ليبيا، بحضور رئيس الأركان الليبي، “محمد الحداد”، مشيراً إلى أن الحكومة التركية ستواصل عملها مع الجانب الليبي من أجل تحديث وتنظيم القوات المسلحة الليبية، ما اعتبر تلميحاً إلى عدم وجود نية لدى الأتراك بسحب جنودهم من هناك.
حكومة مكشوفة الظهر
على الرغم من كافة بيانات التأييد والدعم الدولي للسلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا، إلا أن المحلل السياسي “عمران الجعفري”، يشير إلى أن المجلس الرئاسي الجديد لا يزال يدير حكومة مكشوفة الظهر أمام النفوذ التركي، متسائلاً عن مدى قدرة المجلس على تأمين الفترة الانتقالية وصولاً للانتخابات في ظل عجزه عن حماية مقره وعدم امتلاكه للقوة العسكرية اللازمة لذلك.
كما يشير “الجعفري” إلى أن السلطة التنفيذية الجديدة وحكومة “عبد الحميد دبيبة”، من الناحية العملية غير مسيطرة على العاصمة طرابلس، التي لا تزال خاضعة للميليشيات، لافتاً إلى أنه في الحالة الليبية تكون الكلمة الأقوى والأكبر لمن يمتلك السلاح.
أما عن لجوء تركيا إلى تحريك ميليشيات ليبية بشكل خاصة وعدم إشراك ميليشيات أجنبية تابعة لها في عملية الاقتحام، فيربطها “الجعفري” برغبة تركيا بالتأكيد على أن نفوذها لا يتوقف فقط عند حد الميليشيات الأجنبية وقواتها العسكرية، وإنم يمتد أيضا إلى كيانات وميليشيات ليبية، ما يعني أنه حتى في حالة إجبار تركيا على الانسحاب فإن الميليشيات الليبية المدعومة من قبلها ستكون قادرة على الحفاظ على نفوذ تركيا وقوتها، معتبراً أن الموقف الأخير يعكس مدى تعقيد الملف العسكري وأهمية حل مسألة الميليشيات بشكلٍ كامل بما فيها الميليشيات الليبية وليس الأجنبية فقط.
برجوعه إلى المواقف الدولية، يشير “الجعفري” إلى أن الموقف المصري، يمكن اعتباره الموقف الجدي الوحيد بالنسبة للقضية الليبية والتدخلات التركية، موضحاً: “كافة المواقف بما فيها اليونانية والقبرصية والإيطالية والأوروبية وحتى الأمريكية، اكتفت بالمطالبات وتوجيه الدعوات لوقف النشاط الميليشيوي، ولكن الموقف المصري يعتبر الأكثر عملية خاصة بعد م تم تسريبه عن تمسك القاهرة بمطالبات خاصة بالملف الليبي مقابل تطبيع العلاقات مع تركيا”.
يشار إلى أن مصادر مطلعة أكدت أن الجانب المصري شدد خلال الاجتماعات مع الوفد التركي، الذي زار القاهرة قبل أيام، على تمسكه بعدة نقاط متعلقة بليبيا، بينها تفكيك منظومات الدفاع الجوية التركية و سحب المعدات العسكرية التركية من ليبيا وضغط الحكومة التركية على حلفائها في ليبيا لتوحيد المؤسسات الليبية وتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية، إلى جانب احترام سيادة الدول العربية وعلى رأسها وقف التدخلات والتحشيد العسكري في دول عربية مختلفة.
حلول قاتلة تفتقد للتأثير
مسألة دمج الميليشيات في المؤسسات العسكريو الليبية، والتي ظهرت خلال الأسابيع الماضية كحلٍ للقضية العسكرة وانتشار السلاح خارج سيطرة الدولة، يرى فيها “الجعفري” حلولاً قاتلة للدولة الليبية وغير قادرة على التأثير في الوضع الراهن، موضحاَ: “الميليشيات قالت كلمتها في أكثر من مناسبة، بأن لاءها سيكون تركياً بحتاً وهو ما أثبتته قضية اقتحام المجلس الرئاسي، وبالتالي فإن سيكون من الخطر إدماجها بالمؤسسات العسكرية الرسمية، على اعتبار أن ذلك سيكون تشريع لها وترسيخ للنفوذ التركي داخل الجيش، وهو ما قد يشكل خطورة تهدد وحدة البلاد وتقسم الجيش”.
كما يلفت “الجعفري” إلى أن الحل المطلوب في ليبيا الآن هو حل الميليشيات بشكلٍ كامل وعدم السماح ببقائها أو ببقاء سلاحها تحت أي مسمى أو حل، مشيراً إلى أنها على الأقل تفتقد في وضعها الحالي للشرعية أو الاعتراف الدولي وينظر لها كقوات خارجة عن الدولة، أما في حال إدماجها في الجيش الليبي فإنها ستصبح جزءاً من الدولة، ما سيمنحها قوة مضاعفة.