لبنان ما بين “الكابيتول” و”الفاتيكان”
اللبنانيون متفائلون.. عنوان سيبدو مبالغًا في كوميدياه، غير أن من الكوميديًا جانبًا قد يحمل بعض الحقيقة، أو لنقل الانتقال نحو “الكلام الجد”.
اللبنانيون متفائلون بـ “الفاتيكان”، فالسلطة الكاثوليكية الأعلى في العالم، التي تمثل الدولة الخفية بالغة التأثير في عالم الغرب، هاهي ذي تتبنى المسألة اللبنانية.
يحدث ذلك حين يشدد الفاتيكان على أن إعادة إنتاج السلطة في هذا البلد الذي خربته السلطة، وقد بات بلدًا لا يفرّق بين المسلمين والمسيحيين، في المساواة مع الجوع.
المصادر اللبنانية تتوقع بدء التحضير للقاء الفاتيكان بمبادرة البطاركة المدعوّين للتواصل أو للقاء يُعقد في بكركي لإعداد ورقة عمل مشتركة يمكن أن تُدرج على جدول أعماله، وتقول إنها ستكون بعناوينها الرئيسة لبنانية بامتياز بعد أن توحّدت هواجسهم ومخاوفهم تحت وطأة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي.
لذلك، فإن الفاتيكان الذي استنفر المجتمع الدولي لإنقاذ لبنان بدعمه المبادرة الفرنسية وأراد أن يقول للبنانيين إن بلدهم ليس متروكاً يواجهون قدرهم وحدهم وهم يتصدّون لتفكيكه لمنع من يعبث به لتحويله إلى لبنان آخر لا وجود له على الخريطة الدولية، وبالتالي يكون ضحية التسويات في حال أن الحراك في المنطقة انتهى إلى إعادة توزيع مناطق النفوذ فيها كأمر واقع يهدد وجوده.
هذا عن الفاتيكان.
سيزيد تفاؤلهم، بأن إحدى ابرز الاولويات الأمريكية في زمن بايدن، تتعلق بالملفات مع ايران وصولاً الى إعادة العمل بالاتفاق النووي مع بعض التعديلات، وفي المقابل وقف العمل بعدد من العقوبات المفروضة عليها.
هذا بدوره سيعثر على تداعياته في لبنان، في موازاة المفاوضات المتعلقة بالملف النووي الايراني، وضعت واشنطن ملحقين إضافيين يتعلقان بالصواريخ البالستية الايرانية وبالقوى المتحالفة مع ايران في الشرق الاوسط، وفي طليعتها «حزب الله» في لبنان.
لكنّ المسار الايجابي للمفاوضات حول النووي في فيينا ما يزال ينتظر توقيتاً سياسياً للاعلان عن التوصّل الى الاتفاق. والأرجح ان هذا التوقيت أرادته طهران الى ما بعد انتخاباتها الرئاسية. لكن في الواقع فإنّ تعديلاً طرأ على الخطة الاميركية المعمول بها، لجهة إعادة الاهتمام الاميركي الى ملفات اخرى في المنطقة ولو قبل التوصّل الى الاتفاق النهائي حول الملف النووي، ومن بينها الملف المتعلق بلبنان، ذلك ان هنالك عدداً من المؤشرات التي توحي بعودة الاهتمام الاميركي القوي والمركّز في لبنان بالتفاهم والتنسيق مع فرنسا.
منذ بضعة ايام، وتحديداً في 2 حزيران، غادرت السفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا لبنان متوجهة الى واشنطن في زيارة عمل طويلة بعض الشيء وستستغرق حتى أواخر الشهر الجاري. في هذه الزيارة سيكون للسفيرة الاميركية عدد من الاجتماعات بطلب من مختلف الدوائر الاميركية. لكن اكثر ما لفت هو تضمين برنامجها اجتماعين اثنين مع وزير الخارجية الاميركية انطوني بلينكن، وهذا ما لا يحصل عادة سوى خلال المراحل التي تعتبر مهمة على صعيد لبنان.
وكان واضحاً للذين التقوا السفيرة الاميركية قبَيل مغادرتها الى واشنطن شعورهم بالحماسة التي تُبديها لتحضير تحرّك أميركي فاعل في اتجاه لبنان بمعزل عن التطورات الجارية في المنطقة.
في الواقع، ثمة تحضيرات جارية في واشنطن استعداداً لتحديد موعد جلسة استماع في «الكابيتول هيل» مخصّصة للبنان وتحضّرها لجنتا الشؤون الخارجية في مجلسي النواب والشيوخ إضافة الى مندوبين وممثلين عن بعض الوزارات والوكالات الامنية والجيش.
وقد تداعت غالبية المنظمات الاغترابية اللبنانية في الولايات المتحدة الاميركية للقاء جامع في 23 حزيران الجاري بهدف توحيد جهودها ومطالبها من خلال ورقة موحّدة ستُرفَع الى الاجتماع المنتظر في «الكابيتول هيل».
وفي الواقع، تتوافق دوائر أميركية حساسة مع الشكاوى التي تحملها هذه المنظمات حول فشل كل الطبقة السياسية في لبنان. لا يصدّق هؤلاء الجدل الحاصل بين الطرفين المعنيين بتشكيل الحكومة حول تأمين مصالحهم الشخصية والذاتية والانتخابية، فيما من المفترض تشكيل حكومة إنقاذ لبلد اصبح مدمراً كلياً وجعل اللبنانيين في اسفل المراتب العالمية.
يتحدث هؤلاء باشمئزاز عن اطراف السلطة اللبنانية الغارقين في الفساد ما أدى الى انهيار اقتصادي وإفلاس مالي. كذلك، فإنّ هؤلاء يعتبرون انّ الانفجار الهائل الذي حصل في مرفأ بيروت جاء نتيجة لهذا الفساد والاهتراء الاداري. ويتساءل هؤلاء ايضاً بتعجب: هل من المعقول ان يكون لبنان هو البلد الوحيد في العالم الذي لا يوجد فيه كهرباء رغم كل ما صُرف عليه؟
ثمة لبنانيون يستنتجون بأنه ليس بالضرورة ان تكون الرياح الاميركية عاتية، بل ربما قد تكون ناعمة، لكنها بالتأكيد ستذهب في اتجاه التغيير، وعلى رسم بداية حقبة جديدة ومن خلال طبقة سياسية جديدة وذهنية مختلفة.
الفاتيكان أولاً، وفرنسا ثانيًا، وحين يصبح الملف اللبناني باليد الأمريكية ثمة من يرى أن هذه اليد وحدها قادرة على قلب الطاولة اللبنانية.
ـ بكل الحالات يبقى “وهم” التفاؤل، أقل قسوة من “حقيقة” لبنان.