عندما تصل الذراع الإيرانية إلى لحية الأمريكان
قد تكون الرحلة الأولى لسفينتين بحريتين إيرانيتين خطوة أولى لإرسال صواريخ بعيدة المدى وطائرات بدون طيار وقوارب هجوم سريع ومواد أخرى إلى حلفاء طهران في منطقة البحر الكاريبي أو البحر المتوسط، وقد تشكل الصواريخ التي يُحتمل أن تكون على متن السفينة الحربية الضخمة “مكران” تهديداً أكبر إذا تم تسليمها بنجاح إلى سوريا، حيث ستكون قادرة على الوصول إلى السعودية، رغم عدم تمكنها من الوصول إلى أوروبا.
وفي الوقائع:
السفن الإيرانية تجول المتوسط والكاريبي، وهاهما سفينتان ضخمتان في رحلة طويلة حول رأس الرجاء الصالح. ويأتي السؤال:
ـ إلى أين تتجهان.
الغرابة ليست في السؤال بل بالإجابة، تلك الإجابة التي تبدأ بـ :
ـ ربما.
ربما ماذا؟
ربما تتجهان إلى فنزويلا أو سوريا وفقاً لتقييمات مختلفة. وكانت السفينتان قد أبحرتا للمرة الأولى في 10 أيار/ مايو وهما الآن في مكان ما جنوب المحيط الأطلسي تحت أعين المخابرات الأمريكية، علماً بأن هذا الأسطول يتألف من أكبر سفينة لـ “البحرية الإيرانية” – سفينة “مكران” الحربية الضخمة والفرقاطة راية المزودة بصواريخ “سهند74.
منذ عام 2011 على الأقل، تحدثت إيران عن إرسال فرق عمل بحرية إلى المحيط الأطلسي، وأثارت هذا الاحتمال مجدداً في شباط/فبراير 2014 في الوقت الذي كان من المقرر عقد جولة جديدة من المحادثات النووية في فيينا. وفي هذه الحالة، ادّعى أحد القادة في “البحرية الإيرانية” أنه سيتمّ نشر أسطول صغير بالقرب من المياه الأمريكية؛ وفي ذلك الوقت شكّكت إدارة أوباما في ذلك. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2016، نفذت إيران محاولة فعلية من خلال إرسالها السفينة المساعدة “بوشهر” والفرقاطة “ألفند” (71) باتجاه المحيط الأطلسي، لكن تلك الجهود باءت بالفشل عندما أفادت بعض التقارير أن “بوشهر” اصطدمت بحاوية كانت قد انحرفت عن مسارها واضطرت إلى التوقف بشكل طارئ في مرفأ ديربان، في جنوب أفريقيا لعدة أشهر قبل إجراء بعض الإصلاحات لها. وفي عام 2018، تحدث قائد بحري آخر عن خطة لإرسال سفينتين أو ثلاث سفن حربية إلى فنزويلا في مهمة أمدها خمسة أشهر كرد فعل متبادل على تواجد حاملة الطائرات الأمريكية بالقرب من المياه الإيرانية.
والآن بعد أن دخلت السفينتين الإيرانيتين فعلياً إلى المحيط الأطلسي، تنظر واشنطن بقلق متزايد حيال نشرهما (بقلق مجرد قلق؟!!) ويُعزى ذلك عموماً إلى واقع أن سفينة “مكران” الضخمة – وهي ناقلة معدلة – يمكنها أن تحمل كميات ضخمة من الأسلحة و/أو الوقود لنقلها إلى الجيش الفنزويلي أو نظام الأسد في سوريا.
هذه المرة، تستخدم إيران سفينة “مكران” الجديدة التي يبلغ طولها 228 متراً ويصل وزنها إلى 121 ألف طن، وترافقها إحدى الفرقاطات الإيرانية الحديثة الصنع. أما “سهند”، فهي مزودة بأسلحة بشكل معتدل وفقاً للمعايير الحديثة، لكنها مصممة للمهام الأطول بحيث يمكنها أن تمضي فترة تصل إلى 150 يوماً في البحار الهائجة مثل المحيط الأطلسي. ووفقاً لبعض التقارير تم تزويد السفينتين بقدرات مراقبة إلكترونية.
وفق تقارير وازنة ومن بينها تقرير لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، فإن [السفينة] “مكران” قد تم تجهيزها بمعدات خفيفة فقط، ولكن وفقاً لبعض التقارير بإمكانها أن تحمل كميات كافية من الوقود والإمدادات للبقاء في عرض البحر لفترة تصل إلى 3 سنوات، وبذلك توفر منصة إطلاق بحرية ملائمة للمروحيات، والقوارب والطائرات بدون طيار والغواصات والصواريخ الكبيرة، من بين مهام أخرى (على سبيل المثال، العمليات الخاصة). وكانت “البحرية الإيرانية” تفتقر في السابق إلى هذا النوع من القدرة على الإطلاق.
في منطقة البحر الكاريبي، تُعتبر فنزويلا الوجهة المنطقية الوحيدة لمثل هذه المنظومات وكان الرئيس نيكولاس مادورو أشاد بفكرة شراء الصواريخ الإيرانية وأنظمة الدفاع الجوي، حيث أفادت المصادر أن الحكومتين وقعتا على عقد لشراء أسلحة.
ـ ما الذي يعنيه ذلك؟
ذلك يعني أنه إذا قررت إيران توسيع بصمتها الحركية في منطقة البحر الكاريبي، فيمكنها نشر صواريخ أطول مدى. على سبيل المثال، يمكن أن يصل صاروخ “الحاج قاسم” (الذي يبلغ مداه 1400 كم كما يُدّعى) إلى بورتوريكو وقناة بنما إذا تم إطلاقه من شمال غرب فنزويلا. ولضرب البر الرئيسي للولايات المتحدة (على سبيل المثال، ميامي)، ستكون هناك حاجة إلى صواريخ أو طائرات بدون طيار بمدى يزيد عن 1850 كيلومتراً (على سبيل المثال، “شهاب 3” أو “غدر” أو “عِماد”). ومع ذلك، حتى بدون شحنات إضافية من الأنظمة بعيدة المدى، فإن صاروخ “أبو مهدي” وحده سيشكل تهديداً هائلاً لكل من كولومبيا، وقناة بنما، ومعظم منطقة البحر الكاريبي. وبالمثل، فإن أي مبيعات لألغام بحرية ذكية، أو عبوات ناسفة مرتجلة محمولة على الماء (قوارب انتحارية)، أو طائرات بدون طيار مسلحة واستطلاعية عالية الأداء يمكن أن تغير توازن القوة في منطقة البحر الكاريبي وتسبب تحديات كبيرة لـ “القيادة الجنوبية الأمريكية” على قدم المساواة مع تلك التي تم طرحها بالفعل ضد “القيادة المركزية الأمريكية”.
بالمحصلة فإن هذا يعني أن الذراع الإيرانية باتت أقرب إلى اللحية الأمريكية، كما يعني أن النظام الإيراني على دراية جيدة بتقويض الأمن الإقليمي ولابد أن تشكل تهديدًا صريحًا للأمن القومي الأمريكي وليس لحلفاء أمريكا كما كان الحال على الدوام.
النواظير الأمريكية لابد تشتغل، والإرادة الأمريكية لابد معطلة.
ـ أمريكا لم تعد سيدة العالم، تلك حقيقة باتت أشدّ وضوحًا للعيان.
لعنة الملالي ستنتقل خطوة خطوة، هذه المرة، لتطرق البوابة الأمريكية.
البوابة، التي لم تعد بابًا عاليًا على كل الأحوال.