عن المبتهجين باللحظة الأفغانية
“اليوم، تُنهي إدارة الرئيس جو بايدن انسحاب القوّات الأميركية من أفغانستان”، كان ذلك هو العنوان الذي ارتفعت فيه أصوات وكالات الأنباء، الصحف، الأحاديث اليومية ومواقع التواصل الاجتماعي وذهول الصامتين، وكانت تداعيات السؤال تندرج تحت وابل من بهجة المتأسلمين والحركات الجهادية العنفية، دون استبعاد يساريون شاركوهم البهجة، مطلقين على الانسحاب الأمريكي من أفغانستان نعت “الهزيمة” ومشبهين “الهزيمة الأمريكية في أفغانستان” بـ “الهزيمة الأمريكية في فيتنام”.
جاء ذلك وسط بث تلفزيوني لاينقطع، ليكون يوم 15 آب/ أغسطس 2021، هو يوم “الشاشة الأفغانية”، وكانت الكاميرات تنقل بالمباشر، تقاطر عشرات الآلاف من الأفغان، إن لم يكن مئات الآلاف، إلى المطار لركوب الطائرات الأميركية التي أرسلت لإجلاء الرعايا الأميركيين ومن أسماهم مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان بـ “المتعاونين الأفغان”.
كان منظر أولئك “المتعاونين” لافتاً للنظر من حيث عددهم الكبير، وغلبة عنصر الشباب بينهم، ووجود عنصر الجنسين بينهم، ومن الواضح أن معظمهم متعلمون، رغم أن بينهم ،وفق التقارير التي نشرتها الصحف الأميركية، طبّاخون، وسائقو سيارات، وأفراد حراسات للمنشآت والمقرّات وسكن الأميركيين، وكان واضحاً من تلك التقارير أنّ الغالبية من المتعاونين كانوا من المترجمين ومن أفراد «مجتمع مدني».
كان من بين الفارين صبية “درّاجة”، تقول لواحدة من الوكالات:”ستتهمني طالبان بالكفر، فأنا أركب دراجة هوائية وهذا محرّم في الإسلام، على الفتاة أن تلتزم البيت، تتزوج وتنجب وتطبخ”.
مايعني أن البنت ليست من “المتعاونين”، ولا من أفراد حراسات المنشآت الأمريكية وسكن الأمريكان.. هي واحدة من جيل يعرف قسوة الاديولوجيات المقفلة، ويفرّ منها فاتحًا نافذة من قبره في أفغانستان على عالم آخر، هو :
ـ عالم اللجوء.
كتاب يساريون، اشتغلوا بهجاء الفارين من طالبان، معتبرين بأن الفارين، ليسوا سوى “جيش من العملاء للأمريكان”، وأضافوا مسقطين على التجربة السورية ـ المصرية ـ العراقية:”يوجد الكثير من الماركسيين السابقين الذين خلعوا قميصهم القديم وارتدوا قميص الليبرالية وبعضهم مازال عارياً”، وحين تساهلوا في رشق التهم أضافوا :”كذلك يوجد الكثير من الشباب المتعلم ،من الجنسين، ولكن بدون فكر ولا يؤمنون بغير المصلحة الشخصية، وبعضهم رغم كونه متعلماً أو يحمل شهادات جامعية، يظن بأنه إن كان يرطن باللغة الانكليزية”.
كلام كهذا لايخلو من الصحة، سوى أنه ليس كل الكلام، فكل ما يقوله :
ـ صح.
ولكنه لايقول كل ما هو صح.
وهنا تأتي خطورة الكلام.
ربما ستحتاج اللحظة الأفغانية حوار من نوع جديد، باتجاه قول :
كل ما هو صحيح.