السوري.. خبرة بالع السكين
عنوان التقرير “أنت ذاهب الى الموت”، ومصدره “منظمة العفو الدولية”، والعنوان على كثافته فهو “رواية سورية تكتبها وقائع الحياة”، أما في سياقه، فيقول التقرير بأن “قوات الأمن السورية أخضعت مواطنين سوريين ممن عادوا إلى وطنهم بعد طلبهم اللجوء في الخارج للاعتقال والإخفاء والتعذيب، بما في ذلك الاعتداء الجنسي”.
الكلام بلا شك ليس جديدًا على السوريين، فلا النظام تغير، ولا ذاكرة الراحلين ذابت في مياه البحر التي قطعوها طلبًا للهجرة واللجوء.
طلبًا للهجرة هربًا من إلغاء إنسانية الإنسان تحت وطأة التهديد بالسجن أو بالسجن، فما من سوري يعيش في (حضن الوطن) إلاّ تحت احتمال الاعتقال، أو معتقل، ولا أحد فوق هذا الاحتمال بمن فيهم الموالون للنظام الذين يحفظون عن ظهر قلب “سوريا الله حاميك”.
وطلبًا للجوء والهجرة بحثًا عن الحياة وقد باتت الحياة في بلدهم هي الموت المؤجل لاستعصاء في الدفن، أو لانعدام المساحات في مدافن البلاد.
وطلبًا للجوء والهجرة يوم اختبروا أصواتهم وهتفوا بسقوط النظام، فقوبلت أصواتهم بالبراميل المتفجرة بعد أن عجز الرصاص.
وطلبًا للجوء والهجرة يوم بات البلد زنزانة بدءًا من السرير وصولاً لأقبية التحقيق.
الأكثر من ذلك ثمة في النظام، ومن قادة النظام والناطقون باسم النظام من يرفع صوته:
ـ عودوًا الى حضن الوطن.
واللغة على مافيها من ركاكة فيها من الكذب، فمن من أعمدة النظام له مصلحة بعودة الشباب المهاجر الى الحضن اياه؟
ليس أحب على بشار الأسد من أن تخلو البلد من شبابها، فكلما ازداد عدد الشباب المقيمين في البلاد، ازدادت احتمالات رفضه ورفض منظومته ونظامه، لغته وخطابه، والمطلوب إخلاء البلد من الشباب لتكون البلد، كل البلد له ولمحازبيه، وكان عمه رفعت الأسد من قبله قد قالها:
ـ استلمنا البلد بستة ملايين نسمة وسنعيدها الى ستة ملايين نسمة.
ومع قوله اياه، امتدت ذراعه العسكرية للتنكيل والترهيب والقتل الجماعي والاعتقالات الجماعية وليس من شاهد على عنف ما أوصل اليه البلاد، من مجزرة سجن تدمر التي لاتضاهيها مجزرة سوى مجزرة سجن صيدنايا التي ارتكبها ابناء أخيه وكان القرار فيها لبشار والفعل فيها لماهر.
وبالنتيجة فسياسة التهجير هي السياسة الام التي اتبعها النظام والتي تعني فيما تعنيه افراغ البلد من :
ـ الاحتمال.
احتمال مجتمع مواز لمجتمع النظام.
احتمال حركات مدنية أهلية موازية لحزب النظام وعصابات النظام.
هذا بالاضافة لـ “سرقة” فرص العمل في البلاد وهي المخصصة لأزلام النظام ووحدهم أزلام النظام، فالثروة الوطنية لهم وحدهم ولاتقبل القسمة على اثنين:
ـ مجتمع وعصابة.
والناس، والمهاجرون كما المقيمين لم يكونوا بحاجة لتقرير دولي ينبههم بالقول “أنت ذاهب الى الموت” فلقد ذاقوا الموت، وعرفوا الموت، وفصّلوا في خفايا الموت، ويعرفون بالتمام والكمال أن ثمة ضواري تنتظرهم على الحدود فيما لو عادوا وطلبوا العودة الى البلاد ليقطعوا الحدود.
نعم:
ـ أنت ذاهب الى الموت.
تلك هي القاعدة، وكلما امتنعنت العودة انتعش النظام، وكلما متّ عاش النظام.
والقاعدة هي بالع السكين.
السوريون ربما من أكثر شعوب الدنيا في اختبارات :
ـ بالع السكين.