قرارات “سعيد” الاستثنائية.. تعزيز الديمقراطية أم خطوة باتجاه الدكتاتورية؟
مرصد مينا- هيئة التحرير
يواصل الرئيس التونسي “قيس سعيد”، قراراته الاستثنائية، إذ يعتزم اليوم الجمعة، إعلان تشكيلة الحكومة الجديدة، برئاسة “توفيق شرف الدين”، خلفا للرئيس الحالي “هشام المشيشي”، حسبما كشفت مصادر مقربة من رئاسة الجمهورية لوسائل إعلام محلية.
ويرى مراقبون أنّ “سعيّد” الذي عزّز صلاحياته، الأربعاء بموجب قرار رئاسي يسعى إلى إرساء نظام سياسي جديد، ما يثير قلقاً لدى معارضيه والمجتمع المدني، خاصة أنه سيصدر بموجب هذه الصلاحيات، التشريعات في أوامر رئاسية، الأمر الذي كان من صلاحيات البرلمان المجمّدة أعماله منذ 25 تموز/يوليو.
وبينما تثير قرارات “سعيد” الاستثنائية، انقساما في الساحة السياسية بين مناصر ومؤيد يعتبر أنّها ستنهي حالة الفوضى والتشتت بين مؤسسات الحكم، ورافض لها يرى أنها تكرس الانفراد المطلق بالسلطة، تتعالى أصوات مطالبة بعزله.
جمع كل السلطة في البلاد
يوم الأربعاء الماضي، أصدر “قيس سعيد” أمرا رئاسيا غيّر بموجبه الصلاحيات المتعلقة بالسلطة التنفيذية والتشريعية وجمع كل السلطة في البلاد بين يديه.
وقالت الرئاسة التونسية في بيان، إن سعيد قرر تمديد تعليق عمل البرلمان ورفع الحصانة البرلمانية عن جميع أعضائه، كما قرر استمرار العمل بالتدابير الخاصة بممارسة السلطتين التشريعية والتنفيذية والتي اتخذها يوم 25 يوليو/تموز الماضي.
بالإضافة إلى ذلك، قرر الرئيس التونسي مواصلة العمل بمقدمة الدستور وجميع الأحكام الدستورية التي لا تتعارض مع التدابير الاستثنائية المتخذة، إضافة إلى إلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين.
ورحب معلقون بقرارات “سعيد” معتبرين أنها تمهد لـ “انتقال سياسي” جديد، بينما أبدى آخرون توجسهم من “استفراد الرئيس التونسي بالحكم”.
سير نحو الديكتاتورية
في تعليقه على قرارات “سعيد”، يقول المحلل السياسي “نادر الحبوشي”، لمرصد “مينا”، إن الرئيس التونسي “يؤسس لدكتاتورية بكل ما تحمل الكلمة من معنى”، معتبرا أن هذا التنظيم المؤقت للسلطات هو نهاية التجربة الجماعية للتونسيين، المتميزة بالنسبية والتعددية، وبداية عصر الفرد الواحد”.
ويرى “الحبوشي” أن هذه الفترة “تتميز بحالة استقطاب شديدة وموازين قوى سياسية وشعبية قد تتغير وسرديات متناقضة، واختيارات متضاربة لكل منها كلفة، متوقعا أن تشهد البلاد بناء عقد اجتماعي جديد، يقوم بالحذر الشديد الى حد الاستنفار تجاه هذا الشخص، باعتبار أنه قد ينسف تماما الاجتماع الوطني ويعيد تونس إلى ما قبل الدولة الوطنية الحديثة بما هي عليه من دولة أحزاب ودستور ونخب ونقابات ومجتمع مدني”.
وكانت رئيسة الحزب الدستوري الحر “عبير موسي” قد أكدت اليوم أن حزبها سوف ينتقل من موقع المساندة النقدية إلى موقع المعارضة للرئيس “قيس سعيد”، مشددة على أنها وحزبها يرفضون الديكتاتورية.
وحسب ما نشرته عبر صفحتها بموقع “فيسبوك” قالت “موسي” في تعليقها على قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد الجديدة إنه يجب على رئيس الدولة تحديد مدة هذه الاجراءات وموعد اجراء الانتخابات، مشيرة أنها ترفض الديكتاتورية وما وصفته بـ “الحكم الفردي المطلق”، محددة عدة مجالات وهي الأحوال الشخصية، والأمن القومي التونسي، والحقوق والحريات وحق التعبير وحرية الصحافة والنشر، فهي حسب تعبيرها تمثل “خطوطا حمراء”.
تنظيم مؤقت للسلطات
أما “محمد الداودي”، فيشيد بالتدابير التي أطلقها الرئيس “سعيد”، معتبرا أنها ليست “أكثر من مجرد تنظيم مؤقت للسلطات وأكبر من مجرد دستور صغير لنقل السلطة وإنما هو روح التغييرات الجذرية العميقة والإصلاحات المقبلة دستوريا وقانونيا وسياسياً”.
ويعتبر الباحث السياسي، أن تونس بدأت اليوم انتصار الشعب والثورة والدولة. مشيرا إلى أن كل الظروف أصبحت الآن مهيأة لدعم الانتقال السياسي الجديد، بالرغم من تحركات الخصوم وحملاتهم.
وبحسب “الدوادي”، فإن ما يحدد من النجاح على هذا المستوى هو قدرة الرئيس سعيد على المضي في تنفيذ ما يريده بقطع النظر عن الإشكاليات التي تحوم على تأويل الفصول”.
ويضيف، “الآن كل الأنظار موجهة إلى الرئيس سعيد كيف يمكن أن يمسك بالقيادة وإلام سيقود البلاد بعد أن قطع الطريق على محاولات العودة إلى منظومة الرابع والعشرين من يوليو/تموز.
وبعد تطورات الأربعاء، توالت منذ يوم الخميس، دعوات الخروج إلى الشارع وإسقاط هذه القرارات سلميا، فيما دعت مبادرة “مواطنون ضد الانقلاب” إلى الخروج مجددا للتظاهر، وصدر بيان عنها تضمن دعوة “لكل التونسيين الذين لبوا نداء وقفة 18 سبتمبر وكل من تعاطفوا معها وأسندوها في هذا الفضاء إلى تلبية نداء ثان ليكون صوتنا أقوى وعددنا أكثر لنمارس أدوارنا المواطنية يوم الأحد 26 سبتمبر أمام المسرح البلدي”.
بدوره، دعا الاتحاد التونسي للشغل الرئيس “سعيد” للتشاور مع الخبراء قبل اتخاذ القرارات و”عدم الاكتفاء باستشارة أصدقائه”، مضيفا أنه “فوجئ” بالقرارات التي أصدرها سعيّد، وأعرب عن “استيائه” منها.
وذكر الأمين العام المساعد للاتحاد التونسي للشغل أن تونس هي البلد الوحيد في العالم الذي يعيش تحت الحكم الفردي المطلق، مشددا على أن البلاد تتجه نحو الهاوية.
رفض حزبي
أعلنت 4 أحزاب تونسية الثلاثاء رفضها تعليق العمل بالدستور أو تمديد العمل بالتدابير الاستثنائية دون أفق، محذرة من أن هذا الوضع يكرّس الحكم الفردي ويهدد بعودة الاستبداد.
وتعاني تونس أزمة سياسية حادة منذ أن قرر رئيسها يوم 25 يوليو/تموز الماضي إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، على أن يتولى هو السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة يعين رئيسها، بالإضافة إلى تجميد اختصاصات البرلمان، ورفع الحصانة عن النواب، وترؤسه النيابة العامة.
والتقى الثلاثاء الأمناء العامون لأحزاب “التيار الديمقراطي” (اجتماعي ديمقراطي، 22 نائبا من أصل 217) و”أفاق تونس” (ليبرالي، نائبان) و”التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات” (اجتماعي ديمقراطي، بلا نواب) و”الجمهوري” (وسط، بلا نواب) مع الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية) نور الدين الطبوبي بمقر الاتحاد في العاصمة، وفق بيان للحزب “الجمهوري”.
وعبّرت الأحزاب الأربعة في البيان، عن “قلقها البالغ إزاء استمرار الغموض والدفع بالأوضاع نحو مزيد من التصعيد والتشنج، في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى تعاطي هادئ مع تداعيات الأزمة التي باتت تهدد مؤسسات الدولة بالشلل التام”.
وأكدت “رفضها لكل الدعوات الصريحة والمقنعة لتعليق العمل بالدستور أو لتمديد العمل بالتدابير الاستثنائية دون أفق”، محذرة من أن هذا الوضع “يكرّس الحكم الفردي ويهدد بعودة الاستبداد”.
ودعت إلى “الإسراع بتكليف رئيس حكومة لمواجهة الملفات الاقتصادية والمالية ذات الأولوية، والقطع مع كل سلبيات الإدارة السابقة لمؤسسات الحكم”.
فقدان الشرعية
يشار إلى أن الرئيس التونسي السابق “المنصف المرزوقي”، كان اعتبر ان إعلان “سعيّد” عن وجود أحكام انتقالية هو إعلام بنهاية الدستور، و “هو ما يعني سقوط شرعية الرئيس نهائيا ووجوب عزله ومحاكمته”.
وفي كلمة توجّه بها المرزوقي مساء الثلاثاء، للشعب التونسي، قال المرزوقي إن “حديث سعيّد عن وضع الأحكام الانتقالية يعني إلغاء الدستور، وهو ما يعني الذهاب في سن قوانين على المقاس، وحالما تصدر هذه الأحكام سيتحكم (سعيّد) في مصيرنا، وسيكون ذلك اعترافا صريحا بموت الدستور”.
وجدّد المرزوقي التأكيد على أن “سعيّد منقلب ولا يمكن وصفه إلا بذلك، وشرعيته متآكلة وستنتهي، ويصبح عزل الرجل وإحالته على المحاكمة هو وكل من ساهم في مأساة تونس قضية مطروحة بكل جدية”.
يذكر ان الرئيس “قيس سعيّد”، البالغ من العمر 63 عاما، أستاذ سابق في القانون الدستوري، ويقدّم نفسه منذ انتخابه بغالبية فاقت السبعين بالمئة من الأصوات نهاية العام 2019، على أنه المسؤول الأول عن تفسير الدستور، مستندا إلى معرفته الواسعة في هذا المجال.
يصفه كثيرون “بالرجل النظيف”، فقد رفض مطلع العام 2021 استقبال وزراء عينهم المشيشي في إطار تعديل وزاري، لأداء اليمين بسبب شبهات فساد حول منهم.
بدأ نجم سعيد يسطع منذ ثورة 2011 حين كان دائم الظهور في البرامج التلفزيونية والإذاعية للحديث عن الإصلاحات الدستورية بعد الثورة، وخاصة خلال وضع دستور 2014.
ويرى مراقبون أن النقمة الشعبية على الطبقة السياسية التي لم تحقق شيئا من وعود الثورة والإصلاحات المنتظرة، ساهمت في وصول سعيد إلى السلطة، حيث يرفض التنازلات السياسية والتوافقات، ويتهم أحزابا في البرلمان “بتمرير قوانين مقابل الأموال” ومن “أجل مصالحهم”.