الأزمة بين لبنان والخليج.. هل يملك اللبنانيون مفتاح الحل؟
مرصد مينا- هيئة التحرير
تستمر تداعيات الأزمة السياسية بين لبنان ودول الخليج العربي، على إثر تصريحات وزير الإعلام اللبناني، “جورج قرداحي”، التي اعتبرت مسيئة للمملكة العربية السعودية ودول الخليج، وتسببت باستدعاء المملكة لسفيرها في لبنان وإبلاغ السفير اللبناني بضرورة مغادرة الأراضي السعودية، إلى جانب وقف استيراد كافة السلع أو المنتجات اللبنانية.
وعلى وقع احتدام الأزمة وتشعب تعقيداتها الداخلية والخارجية، حط وفد جامعة الدول العربية في بيروت، الاثنين، برئاسة الأمين العام المساعد السفير “حسام زكي”، لمعاينة عمق الأزمة اللبنانية عن كثب، ما أثار توقعات بأن مسار الأزمة سيكون طويلاً، وأن هناك عجزاً حتى الآن عن مقاربتها كما يجب، مع ما يعنيه الأمر من تأكيد على إعطاء بُعد عربي للأزمة، فيما استبعد مراقبون إمكانية نجاح الجامعة العربية في الوساطة، كونها لا تملك أي أوراق ضغط أو تأثير خاصة على الأطراف اللبنانية المعنية.
الجامعة العربية.. وساطة أم انحياز؟
أول أمس الاثنين، التقى السفير “حسام زكي”، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، مع رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون ورئيس الوزراء نجيب ميقاتي للبحث عن مخرج للأزمة الأخيرة.
وأعلن “زكي” في تصريحات، إن هدف الزيارة هو الحوار مع القيادات اللبنانية حول الأزمة مع دول الخليج وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، والتعرف على الموقف اللبناني وماذا يمكن تقديمه لحلحلة الأزمة في العلاقة والبدء في رأب الصدع الموجود حاليا، معتبرا أن “المسألة واضحة جدا من ناحية ما يجب القيام به لمعالجة الأزمة الحالية، ويتطلب عملا جادا ومستمرا، لأن العلاقة ما بين لبنان والخليج هي علاقة قديمة وراسخة ومهمة للجانبين اللبناني والسعودي، ونسعى لاستعادة زخمها كما كانت”.
وفي جواب على سؤال لأحد الصحافيين حول ما إن كان تصريح وزير الإعلام اللبناني الذي “وصف الحرب باليمن بالعبثية، يستأهل هذا الضغط والابتزاز السعودي للبنان”، أجاب السفير أن “المسألة أبعد من توصيف للحرب، وما قيل كان موقفا متكاملا من الوضع في اليمن، وهو ما رآه الأخوة في السعودية أنه إساءة، وهو موضوع يخرج عن القرارات العربية فيما يخص الوضع في اليمن، وبالتالي المسألة ليست بسيطة وهي أبعد وأهم من أن يتم التعامل معها باستخفاف”، مشيرا إلى أنه “إذا احتاج الأمر زيارة إلى السعودية، فإنه سيقوم بذلك”.
المحلل السياسي، “عبد الهادي رحمون”، يستبعد أن تتوصل الجامعة العربية لحلول تفضي لإنهاء الأزمة لأن ليس لها فاعلية وتأثير على الأطراف المعنية خاصة اللبنانية منها، مشيرا إلى أن تدخل الجامعة العربية، سيبقى “خجولًا وشكليًا وأقرب للمسايرة ورفع العتب”.
وتعليقا على تصريحات السفير “حسام زكي”، يؤكد “رحمون”، أن الأمين المساعد لجامعة الدول العربية، لن يستطيع تقديم مبادرة جدية، للخروج من الأزمة، لأنها ستصطدم برفض “حزب الله” المتبني لموقف “قرداحي”، إذ سيعتبر الحزب أي موقف عربي مطالب باستقالة وزير الإعلام اللبناني، انحياز للموقف السعودي، ما سيزيد من تشعبات الأزمة.
بالإضافة إلى ذلك، يرى “رحمون” أنه لا بد من البحث عن حل للأزمة اللبنانية مع دول الخليج، وفقا للتطورات الحاصلة في المنطقة، التي تمر الآن بمرحلة انتقالية تشهد تفاهمات منها علني ومنها سري لم يظهر بعد، معتبرا أن هذه التفاهمات خاصة بين الخليج وسوريا سيكون لها انعكاس أيضا على الساحة اللبنانية.
وتابع: “بانتظار كل هذه التطورات ولا تزال الأزمة بين لبنان والسعودية جامدة بانتظار أن يكون هناك تطورات فاعلة على الساحة الإقليمية والدولية لفتح باب للمخارج المنتظرة”.
يشار إلى أن السفير “زكي” كان اعتبر أن “استقالة قرداحي كان يُمكن أن تنزع فتيل الأزمة”، مضيفا أنه “نحتاج إلى التأكيد بشكل أكبر على أن هذه الخطوة يمكن أن تتم”.
يأتي هذا، فيما لا يزال “قرداحي” رافضا تقديم استقالته من الحكومة حيث يعتبر أن حديثه لم يحمل إساءة لأي دولة، لذلك يرفض “الاعتذار” أو “الاستقالة”، رغم تجديد ميقاتي الخميس الماضي، دعوته قرداحي إلى اتخاذ موقف “يحفظ مصلحة لبنان”.
وكان قرداحي أكد قبل أيام ثباته على موقفه، مستبعدا استقالته من الحكومة عقب تصريحاته المتعلّقة بالحرب على اليمن والتي اعتبرتها السعودية مسيئة بحقها، حيث وصف خلالها الحرب في اليمن بالعبثية، داعيا إلى وقفها بأسرع وقت، معبرا عن تعاطفه مع الميليشيات الحوثية ومعتبرا أنها “تدافع عن نفسها في وجه اعتداء خارجي مستمر منذ سنوات”.
يشار إلى أن موقف قرداحي المتصلب، مدعوما من “حزب الله” وحلفائه في تيار المردة بزعامة سليمان فرنجية، الذي دعم قرداحي لتولي الوزارة.
الحل يبدأ من الداخل اللبناني
في تحول لافت نحو الانضمام العلني لحلف الهجمات والضغوط القصوى على “حزب الله”، شن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي “وليد جنبلاط” هجوما جديدا على الحزب، قائلا إن “المخرج الآني للأزمة الخليجية يبدأ بإقالة وزير الإعلام جورج قرداحي ثمّ الاعتذار من الخليج وليس العكس كما يريد البعض في محور الممانعة”.
وقال “جنبلاط”، “وليسمح لنا حزب الله الذي صبرت عليه كثيراً”، معتبرا أن “الحزب خرب بيوت اللبنانيين في الخليج، ومتسائلا عن موقف رئيس الجمهورية “ميشال عون” من الأزمة.
ويرى مراقبون أن كلام “جنبلاط” يعتبر تصعيدا نوعيا ضد “حزب الله” بعد فترة من التفاهمات وإدارة الخلافات بين الطرفين بعيدا عن التصعيد الكلامي واللغة المتشنجة.
وبعد ساعات من هذه التصريحات ظهر جنبلاط على شاشة تلفزيونية، مستكملا التصعيد ومعتبرا أن تصريح قرداحي “سخيف من وزير غير مسؤول”.
كما هاجم نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ “نعيم قاسم” الذي طالب السعودية بالاعتذار من لبنان معتبرا أن هذا التصريح غير مسؤول مدمر، ومضيفا، “نحن علينا ان نعتذر وليس هم”.
في سياق تعليقه على تصريحات “جنبلاط”، يرى الباحث في الشأن اللبناني “خلدون رومية”، أن حل الأزمة مع دول الخليج يبدأ وينتهي من لبنان، معتبرا أن اللبنانيين هم المعنيين بالبحث عن الحل لأن الخاسر الأكبر من المقاطعة الخليجية هو الشعب اللبناني، متوقعا أن تشهد الأيام المقبلة المزيد من الدعوات لاستقالة القرداحي.
كما يشدد “رومية” على ضرورة تشكيل جبهة لمواجهة “حزب الله” الذي يسعى لخلق الفوضى في البلاد لإبعادها عن محيطها العربي بغية تعزيز الدور الإيراني في المنطقة، قائلا إنه، آن الأوان لأن يفهم اللبنانيون أم جميع مشاكلهم ما كانت لتكون لولا سياسيات حزب الله الهجومية.
ورغم إقراره أن “حزب الله” لن يستسلم لهذا التوجه اللبناني سياسياً أو شعبياً ضده، وسوف يتوسّل كلّ إمكاناته لقلب الطاولة على الجميع، ليُعيد الإمساك بزمام الأمور، يقول “رومية” إنّ إدراك اللبنانيين، على أيّ مستوى كانوا، أنّ سياسات الحزب هي التي تقف وراء مآسيهم المتلاحقة، سوف يُصعّب عليه هذه المهمة، لأنّ “عشّاق السلطة” يتنازلون عن مبادئهم، ليكونوا في “واجهة محترمة” وليس في “معصرة” يمكنها أن تحوّلهم الى “نفايات سياسية” يلعنها الحاضر والتاريخ في آن، ولأنّ الرأي العام يمكن أن “يصمت” على أيّ تنازلات إذا كانت تنعكس على أوضاعه إيجاباً، ولكنّه يستحيل أن يقبل بها إذا أمعنت في تأجيج نار جهنّم التي تلتهمه.
وبحسب الباحث، فإنّ “الغضب السعودي” يُمكن أن يرتد إيجابياً على لبنان، إذا ما ثابرت القوى السياسية والشعبية لإيجاد مفتاح الحل، و الدفع في اتجاه إجبار “حزب الله” على إدخال تغييرات أساسية في سلوكه، بحيث تبدأ المعالجات بترييح الدولة من بعض أعباء الدويلة.