حين يكون “فلاديمير بوتين” هو بطلك.. وداعًا للمستقبل
ليس أمرًا بعيدًا أن تنتصر “البلطجة” أقله في زمننا، والأمثلة لاتحصى وربما أقربها “إلى اللغة العربية” بلطجة حزب الله على اللبنانييين وقد باتت البلطجة هي المتحكمة بـ “المدنية”، لتنتصر موسيقى “اللطم” على موسيقى الرحابنة، و”الشادور” على “الميكرو جيب”، و “القمصان السوداء” على آخر مبتكرات الموضة الفرنسية، كما “التسوّل” على الرفاهية، وما يحدث في لبنان يمكن تعميمه على العالم بما لايستبعد انتصار “الحوثي” على “برج العرب” وانتصار بوتين على الغرب برمته بمن فيه الولايات المتحدة واوربا.
البلطجة ياها يدركها الغرب وصحافته، وهكذا نشرت فايننشال تايمز مقالاً حمل عنوان “انتصار بوتين في المواجهة مع الغرب” وهو مقال رأي للمعلق جيدون رتشمان قال فيه، إن انتصار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حربه ضد أوكرانيا يعني جذب أتباع جدد لأسلوبه “البلطجي”. وقال إن العالم الغربي منقسم بشأن الطريقة التي يجب فيها التعامل مع بوتين، ولكننا متفقون على أمر واحد: الرئيس الروسي هو الرجل الشرير في هذه الدراما.
تابع الرجل القول بأنه “لا يوجد شيء سيء ومثير للكآبة أكثر من وجود طائفة/كلت بوتين”، أما هذه الطائفة فتشمل نادي المعجبين به ومنها دولا في الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا والأمريكيتين. وكان المتحدث باسم بوتين، ديمتري بيسكوف يعني شيئا عندما قال في 2018 “هناك طلب في العالم على قادة أصحاب سيادة وحزم.. وبوتين روسيا كان نقطة البداية”.
ـ لمَ لا وقيم الديمقراطية في العالم تتعرض يومًا بعد يوم للتهديد، بما يجعل الرئيس بوتين كما لو انه الرجل الذي تنبأ بمستقبل السياسة العالمية وليس كرجل من الماضي، فحصل الزعيم الروسي على معجبين ومقلدين أعجبهم استعداده للجوء إلى العنف واستعراضه القوة في تحدي “الكياسة السياسية” وأسلوبه المستبد في القيادة.
عندما ظهر بوتين أول مرة كزعيم لروسيا في الفترة ما بين 1999- 2000 كان يبدو حالة شاذة، رجل قومي قوي في عالم يسوده دعاة العولمة التكنوقراط. ووصفت أنغيلا ميركل، المستشارة الألمانية السابقة مرة أن بوتين “يبدو وكأنه يحاول تطبيق أساليب القرن التاسع عشر وفي عصر مختلف”.
وهكذا وفي عالم تتعرض فيه القيم الديمقراطية للتهديد، يبدو بوتين وكأنه الرجل الذي تنبأ بمستقبل السياسة العالمية وليس كرجل من الماضي.
الزعيم الروسي حصل على معجبين ومقلدين أعجبهم استعداده للجوء إلى العنف واستعراضه القوة في تحدي “الكياسة السياسية” وأسلوبه المستبد في القيادة. وكما وصف المحلل السياسي الروسي ديمتري ترينين في الأسبوع الماضي فـ “بوتين هو زعيم من مرحلة ما قبل الشيوعية، وهو قيصر”.
كاتب المقال حذر من مخاطر الأزمة الحالية في أوكرانيا وهي خروج بوتين منتصرا منها، مما يعطي أسلوبه في القيادة تميزا عاليا ويدفع الآخرين إلى تقليده حول العالم.
وبما ينطوي عليه نموذجه في الحكم من سرقة الأراضي والتهديد بالقوة العسكرية والأكاذيب والاغتيالات التي سينظر إليها على أنها أساليب المنتصر.
لقد أصبح بوتين نموذجا لجيل جديد من المستبدين والشعبويين الجدد، في أوروبا والولايات المتحدة. وكان دونالد ترامب خجولا في الحديث عن إعجابه بالرئيس الروسي، وليس مساعدوه الذين تحدثوا بشكل مفتوح. فبعد ضمه شبه جزيرة القرم عام 2014، مدح عمدة نيويورك السابق ومحامي ترامب روديو جولياني بوتين بقوله:” يصدر القرار وينفذه بسرعة، وهذا هو الذي تسميه قائدا”. وفي الأزمة الحالية مع أوكرانيا كان تاكر كارلسون، أهم مذيع في “فوكس نيوز” واضحا في دعمه لبوتين.
وسيقوم فيكتور إربان رئيس وزراء هنغاريا والمناصر للقيم اللالييرالية في أوروبا بزيارة الزعيم الروسي هذا الأسبوع. ودعا إربان في الماضي الاتحاد الأوروبي للاعتراف بأن “بوتين أعاد العظمة من جديد لبلاده”. ومثل بوتين، فقد نصب إربان نفسه كمنافح عن الأقلية في أوكرانيا، وفي هذه الحالة الأقلية الهنغارية هناك.
وتضم طبقة المعجبين ببوتين في الغرب السياسي البريطاني نايجل فاراج، الذي دافع وروج للخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي. وكذا المتطرف الإيطالي ماتيو سالفيني، زعيم رابطة الشمال ونائب رئيس الوزراء السابق. وعلق فاراج على إرسال بوتين قواته إلى الشرق الأوسط “الطريقة التي لعب فيها لعبة سوريا كانت ذكية”. أما سالفيني فقد التقطت له صورة في الساحة الحمراء بموسكو وهو يرتدي قميصا عليه صورة بوتين.
ويمتد نادي المعجبين ببوتين إلى الشرق الأوسط وآسيا. فقد اتهم الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي بدعم فرق الموت في أثناء رئاسته. وعندما سئل عن الزعيم العالمي الذي يثير أعجابه أجاب “بطلي المفضل هو بوتين”. وطالما استمتع بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق والرجل الذي تزيا بزي الحاكم القوي، بزياراته إلى موسكو من أجل مناقشة الموضوعات الجيوسياسية مع بوتين. وفي حملة إعادة انتخابه عام 2019 تم عرض صورة له وهو يصافح بوتين وتحتها تعليق “رجل لا يضاهى”. ووثق بوتين علاقاته مع قادة الشرق الأوسط الأقوياء. وقدم للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بندقية كلاشينكوف هدية. وبدا السيسي الذي قتلت قوات أمنه المئات من المتظاهرين في مصر فرحا بالهدية.
لهذا السبب فالمواجهة بين بوتين والغرب هي أبعد من استقلال أوكرانيا، رغم أهميته، فنتيجة المواجهة ستحدد وتيرة السياسة العالمية. ولو وقف بوتين أمام الديمقراطيات الغربية، فنموذج الرجل القوي البلطجي سيكون مثل موجة المستقبل.